ترامب سيحاول التدخل عسكريا في تونس والجزائر!

المحلل السياسي التونسي، نزار مقني لـ"البلاد":

نزار مقني.. ص: ح. م
نزار مقني.. ص: ح. م

السياسة المصرية في ليبيا زادت من حدة الأزمة

القمة الثلاثية في الجزائر ستكون نقطة تحول في الأزمة الليبية  

على الدول المغاربية حل الأزمة الليبية عاجلا للتخلص من شبح الطمع "الأمريكي"

قال المحلل السياسي التونسي، نزار مقني، إن الجوار الليبي لم يساعد الأزمة على الحل ولم يوجهها نحو الانفراج، مشيرا في الحوار الذي جمعه بـ"البلاد" إلى أن مصر تدعم في الشرق الليبي، حفتر ومجلس النواب على حساب السلطات الأخرى في الغرب..

وأشار مقني، إلى أن تونس والجزائر تعاملتا مع سلطات الغرب بحكم الموقع الجيوسياسي لكلاهما ووفق مقتضيات الجغرافيا ولم تعمل على هذا الحل الا متأخر.

كما دعا المحلل السياسي التونسي، نزار مقني، الدول المغاربية إلى ضرورة التعجيل بإيجاد حل للأزمة الليبية، هذه الأخيرة التي يرى محدثنا انها ستكون ذريعة ترامب خلال المرحلة القادمة للتدخل عسكريا في الجزائر وتونس، وبذريعة الإرهاب ايضا.

وقال مقني في الحوار الذي جمعه بـ"البلاد" إنه على حكام الدول المغاربية تجنب الذرائع الروتينية "لأمريكا" لإحكام قبضتها عسكريا على أي دولة تختارها ـ على حد تعبيره ـ


بعد ست سنوات من انطلاق الثورة التونسية ضد نظام بن علي، ماذا حققت تونس من مبتغياتها إلى يومنا هذا؟

لا يمكن الحديث عن تحقيق أهداف الثورة التونسية في وقت وجيز، تاريخيا فإن الثورات لا تتوج أهدافها إلا بعد مخاض كبير، خاصة وأن المستهدف من الثورة هو النظام الذي وجدت إرادة شعبية لتغييره، من حالته السلطوية إلى حالة أخرى تعددية المرجو منها تحقيق الديمقراطية، لذلك فنحن نتحدث هنا عن مسار كامل فيه مراحل وصعوبات كبيرة، وكذلك منزلقات خطيرة قد تطيحه من جديد في جب الاستبداد (لذلك قلت حالة تعددية).

تونس عاشت 6 سنوات من المخاض العسير للخروج من نفق مظلم كاد أن يئد التجربة الجنينية في رحمها، خاصة مع فوضى كان بنطها العريض الاستهتار السياسي من جهة الأحزاب التي حكمت بعد حصولها على الأغلبية في انتخابات المجلس التأسيسي أو ما يمكن أن أطلق عليه "ترويكا النهضة"، وكان خطها الصغير الأنانية في ممارسة الحكم و"فرض ما لا يفرض" في مرحلة انتقالية، والابتعاد عن "لزوم ما يلزم" لترسيخ الهدف السياسي للثورة وهو التوجه نحو الديمقراطية بنظام جمهوري..

ومن ثم كان حبرها الذي سطر عناوينها الرئيسية كثير من الدماء من خلال العمليات من تنظيمات إرهابية وجدت أرضية سانحة للنشاط في تونس، بسبب تساهل من سلطة "ترويكا النهضة" آنذاك وذلك بتعلة حرية التعبير، ونفذت اغتيالات سياسية ومنها اغتيال الشهيد شكري بلعيد زعيم حزب الديمقراطيين الاشتراكيين وكذلك الشهيد محمد البراهمي القيادي في التيار الشعبي وكلاهما من عائلة اليسار التونسي.

 

كيف يمكن وصف الحالة التي عاشتها تونس في تلك الفترة تحديدا؟

دخلت تونس في تلك الفترة في نفق مظلم، خرجت منه باستعمال وسائل ديمقراطية (الحوار الوطني الذي رعاه الرباعي الراعي للحوار) وبفرض الأمر الواقع بسبب تغيير موازين القوى في دول  عرفت انتفاضات ومنها مصر. لقد كانت لفترة حكم الإسلام السياسي في تونس على امتداد 3 سنوات عواقب كارثية ساهمت في تأجيج الوضع في البلاد من جهة وكذلك في استفحال الإرهاب بيده التونسية في الداخل والخارج، وكان منه أن اتجهت البلاد الى مربع أحمر وهو التقهقر الاقتصادي والاجتماعي، تسبب في عدم مباشرة تنفيذ أهداف الثورة الاقتصادية والاجتماعية أو تطبيق مبدأ التمييز الإيجابي للمناطق المهمشة في الداخل التونسي والذي كان من بين المبادئ التي أتى بها دستور الجمهورية الثانية الذي اريد أن أشير إلى أنه "ثمرة" الحوار الوطني الذي أخرج البلاد من أزمة وأدخلها في فترة انتقالية ثانية دامت سنة كاملة وحضرت لانتخابات التشريعية والرئاسية.

ولا يفصل تونس اليوم على استكمال متطلبات نجاح المسار الديمقراطي إلا المرور نحو تطبيق الديمقراطية المحلية، وإنجاز الانتخابات البلدية والجهوية، وهي انتخابات لازمة لتثبيت النسق الديمقراطي والدينامكية السياسية في النظام التعددي الجديد.

إلى أي مدى استطاع ڤايد السبسي أن يعكس طموحات الشعب التونسي في الرئيس المأمول؟

يشير عالم الاجتماع السياسي ماكس فبير إلى 3 أنواع من الشرعية السياسية وهي السلطة التقليدية (القائمة على التاريخ والعادات) والسلطة الكاريزمية (القائمة على قوة الشخصية)، والسلطة الرئيسية القانونية (المستندة إلى إطار من القواعد الرسمية القانونية).

انطلاقا من هذا المفهوم الفبري لفهم الشرعية السياسية، فإن الباجي ڤايد السبسي اعتمد على إبراز أنه امتداد لسلطة قديمة وهي سلطة الزعيم الحبيب بورڤيبة، حيث استطاع السبسي قولبة ما هو موجود في تلك الفترة ولعب على أخطاء أصحاب السلطة من "ترويكا النهضة"..

وقدم نفسه كمنقذ للنظام الاجتماعي الذي تحاول السلطة الجديدة تغييره. ثم اعتمد على السلطة الكارزمية المتمثلة في طرح نفسه كزعيم يستطيع أن يحمي الجمهورية الثانية مثلما بنى سلفه المحبب بورڤيبة الدولة الحديثة بعد الاستعمار، أراد الباجي قايد السبسي من خلال هذه الشرعية الكارزمية أن يقدم نفسه كـ"أب" مؤسس للجمهورية الثانية، وهو إلى حد معين لم يتمكن من تحقيقه إلى اليوم، بسبب التعثر في المسارات الاجتماعية والاقتصادية للجمهورية الثانية. لذلك وبعد سنتين من الحكم وجد نفسه أمام إشكالية ليتمكن من التحكم بالشرعية الرئيسية وهي شرعية القوانين والتي لم تمنحه كل الصلاحيات في تسيير شؤون الدولة، وهو ما جعله يتذمر في مناسبات عديدة من تأصيل الدستور التونسي لسلطة برأسين يستأثر فيها رئيس الحكومة بصلاحيات واسعة أمام رأس الدولة وهو رئيس الجمهورية، تلك القوانين التي لم تمنحه الشرعية اللازمة ليكمل صورته كـ"أب للجمهورية الثانية".

بهذه الطريقة أصبحت سلطة "الأب" ومشيئته هي التي تتحكم في دواليب الدولة، وليست مشيئة رئيس الحكومة. بهذا يستحق الباجي ڤايد السبسي لقب "الدابة السياسية"

هذا ما جعله يتجه لخيار ثان وهو مبادرة تشكيل حكومة أرادها حكومة وحدة وطنية، كانت تلك المبادرة بمثابة "الفترينة" والتي بموجبها قام بإعادة خلط الأوراق السياسية من خلال تعيين شاب في رئاسة الحكومة يقوم "الأب" بتأطيره وتربيته على أداء دوره كرجل دولة.

بهذه الطريقة أصبحت سلطة "الأب" ومشيئته هي التي تتحكم في دواليب الدولة، وليست مشيئة رئيس الحكومة. بهذا يستحق الباجي ڤايد السبسي لقب "الدابة السياسية"، التي ما تزال تثبت نفسها لتتحمل مسؤوليتها في حمل البلاد من شفا الجرف الهار اقتصاديا واجتماعيا، إلى مرحلة الإقلاع وهو ما يطلب عملا في إطار الدولة أكثر من الدهاء السياسي.

ما توقعاتكم للقمة الثلاثية التي ستجمع بوتفليقة والسبسي والسيسي لتحقيق الحل السياسي للأزمة الليبية؟

يمكن لهذه المبادرة أن تنجح إذا ما تحققت 3 شروط أساسية لذلك: أولا ابتعاد هذه الأطراف عن الحسابات الضيقة فيما يخص ليبيا، فحسابات "بلدان الطوق الليبي" هي التي أطاحت باتفاق الصخيرات، من خلال سياسات دعم الأطراف المتناحرة وهو ما جعل الإرهاب يتأصل ويبرز بأنيابه في ليبيا، في سرت وغيرها من المناطق، بل إن إعلان داعش عن نفسه في سرت كان نتيجة لتصادم خطوط الصدع (تخوم الصراع) بين الشرق والغرب، وهو ما ترجم سياسيا في عدم المصادقة من قبل مجلس النواب في طبرق في الشرق على السلطة الجديدة التي أتت من رحم اتفاق الصخيرات. ومثلا كان بالإمكان أن تضغط مصر أكثر على مجلس النواب وكذلك على حفتر للمصادقة على حكومة الوفاق، لكن الحسابات السياسوية الضيقة هي التي غلبت، خاصة وأن القاهرة تنظر للسلطات التي سيطرت على طرابلس وهم من الإسلاميين على أنهم إرهابيين، تلك النظرة التي تتمسك بها كذلك الامارت العربية المتحدة في توجيهها لكفة التوازنات في ليبيا من خلال دعم المشير خليفة حفتر.

ثانيا، يجب تحييد كل القوى التي لا تسعى لعقد اتفاق مثل هذا خاصة التي تتبنى عقيدة جهادية قريبة للقاعدة وترى أن كل تقارب بين الفريقين هو بمثابة "خيانة للثورة" وخيانة للدين، وهذه النظرة يمكن أن تساهم في تكبير الصدع أكثر بتحركات مشبوهة، خاصة تلك التي شهدتها العاصمة طرابلس ومحاولة رئيس حكومة الإنقاذ خليفة غويل المدعوم من إسلاميين متطرفين السيطرة على مقرات حكومية. ثالثا الأهم من المسار السياسي التي تتبناه المبادرة فإن نجاحها مرتبط بمسار آخر أطلق عليه مسار المصالحة الاجتماعية بين مختلف مكونات الاجتماعية الليبية..

وهذا العمل يمكن تبنيه رسميا وعدم حصره بما تفعله مبادرات لمكونات من المجتمع المدني، فصبغ هذه العملية بالرسمية هي التي يمكن أن تعطيها نفسا للمواصلة في نهج البناء ومحاولة طبع العقلية القبلية بتصرفات مدنية يمكنها على امتداد الزمن أن تشكل ملامح "ديمقراطية ليبية فريدة"، فإذا كانت القبيلة هي المتسببة في هذا التففت الاجتماعي السياسي الليبي وكانت اللبنة الأولى وراء هذا الصراع المحموم فلماذا لا تكون هي نقطة الارتكاز، ولا يكون هذا إلا عن طريق تحميل القبائل مسؤولية اتخاذ القرار، وهذا ما سيقوي الدولة ويجعلها تمارس دورها وتفرض سيطرتها على كل الإقليم الليبي.

 

إذا قلنا أهم ما سيخرج به هذا الاجتماع، ماذا يمكن توقعه ؟

في المجمل، أرى أن مبادرة مثل هذه تأخرت كثيرا خاصة من دول الجوار، كان بالإمكان تفادي كل ما حصل إذا ما عملت هذه الدول مع بعض من الأول لتوطيد الحل السياسي في ليبيا، فكان يمكن أن تفعل مثل هذه المبادرة في سنة 2015، ففرض مبادرة من الغرب على ليبيا وتعدد الأجندات هو الذي سرع بسقوط اتفاق الصخيرات.

إعلان داعش عن نفسه في سرت كان نتيجة لتصادم خطوط الصدع (تخوم الصراع) بين الشرق والغرب، وهو ما ترجم سياسيا في عدم المصادقة من قبل مجلس النواب في طبرق في الشرق على السلطة الجديدة التي أتت من رحم اتفاق الصخيرات. 

القمة الثلاثية هي انطلاق للحل النهائي في ليبيا، أعتقد أنه سيكون ناجحا وسيكون مثمرا وسيشكل اللبنة الأولى للحل السياسي وفق مسار الصخيرات مع تعديلات جديدة تهم النقطة الثامنة من الاتفاق وكذلك التمثيلية في المجلس الرئاسي الليبي وتوزيع المسؤوليات على الأقاليم الليبية في الحكومة الجديدة المتولدة من المجلس الرئاسي.

بمناسبة محاولة "اغتيال" جندي فرنسي في باريس باللوفر، بعدما صرحت الشرطة الفرنسية أن الفاعل صاح "الله أكبر" قبل أن يشهل سكينه، ما تعليقكم على الحادثة؟

أرى أنها تنزل في إطار إرهابي بحت، وأرى أن الدول الأوروبية ككل ستعرف عمليات أخرى يخطط لها من قبل هذه التنظيمات الإرهابية مثل "داعش" و"القاعدة". وأعتقد في هذا الإطار أن تنظيم داعش سوف لن يستسلم بسهولة وسوف يجد ملاذات أخرى خاصة في إفريقيا على امتداد الصحراء الكبرى. من هنا يجب تعزيز التنسيق الأمني المشترك بين كل الدول للعمل على حصر خطر هذا التنظيم أكثر.

هل يمكن الحديث حاليا عن اتحاد مغاربي؟ وإلى أي مدى دول المغرب العربي مستعدة لذلك؟ وما العوائق التي جعلت هذا الاتحاد "الحلم" لا يتحقق؟

 أرى أن دخول المغرب الاتحاد الإفريقي هو خطوة جريئة من السلطات المغربية، فوجود المغرب إلى جانب الصحراء الغربية في نفس المحفل، يمكن أن يؤدي لإذابة الجليد المتلبد حول هذا الصراع الذي يمثل العائق الوحيد نحو بداية بناء وحدة مغاربية اقتصادية أولا قبل المرور إلى مسار سياسي آخر.

وأعتقد أن الصراع على الصحراء الغربية يمكن الخروج به بانتصار كلا الطرفين، لو قام كل واحد بتنازلات وتطبيع العلاقات، لكن وفق خطة تعتمد أساسا على الحوار المشترك، وكذلك من خلال إشراف دبلوماسيات الدول المغاربية على هذا الحوار الذي سيمكن في آخر المطاف لطرح الحل النهائي الذي يرضي الجميع.

وعلى الدول المغاربية النظر إلى التحديات الاقتصادية المطروحة عالميا وبداية تغير خارطة الصراع الدولي، ومحاولة فرض القوى الدولية علاقات جديدة، خاصة مع فشل مشروع العولمة الأمريكي الذي يعتمد على تفتيت الدول لتسهيل مرور رأس المال وتعزيز حرية انتقاله.

الإدارة الامريكية الحالية لا يمكن ان تذهب بعيدا في سياستها مع ايران خاصة وان الرئيس الجديد ليست له خيارات كبرى في المنطقة دبلوماسيا، وبالضرورة مع التقارب الروسي التركي وكذلك التفاهم الايراني التركي

إن التحدي الجديد هو أن كل من الطرفين الدوليين اليوم يسعى لطرح مشروعه ونظرته للعولمة، ويسعى كل من الطرفين (التحالف الشرقي الروسي الصيني من جهة والتحالف التقليدي الغربي من جهة أخرى) أن يحقق اتساعا لرقعة سيطرته الجيوستراتيجية وهذا ما يفرض على دول المغربية التفكير في مواجهته خاصة أن الصراع في مثل هذا الإطار يمكن أن يؤدي الى عواصف عاتية.

وكما قلت فإن البداية يجب أن تكون اقتصادية وهو ما يعني تعزيز المبادلات التجارية بين هذه البلدان المغاربية ولا يمكن أن تتعزز المبادلات بحدود مغلقة. أرى أن المغرب العربي كالطائر الذي لم يكتب له التحليق.

في سياق بعيد، كيف يجب على رؤساء الدول المغاربية التعامل مع ترامب خلال المرحلة المقبلة؟ خاصة في ظل خطاباته العنصرية التي تستهدف المسلمين وتتهمهم بالإرهاب؟

أعتقد أن على الدول المغاربية التعامل مع ترامب من خلال أمرين اثنين: أولا: براغماتية سياسية، ترامب متنمر في طبعه لكنه ذكي فيما يتعلق بالتعاملات الاقتصادية خاصة أن له خلفية اقتصادية وهو مقاول بناء، من هنا فإن الخطاب يجب ان يتوجه اليه اقتصاديا، وطبعه ببعض من كياسة السياسة. ثانيا: المتنمر دائما ما يحمل هراوة في يده (وتلك سمة الرؤساء الجمهوريين) وهنا في حالة ترامب يجب الابتعاد قدر المستطاع عن محاولة استمالته لاستعمال الهراوة في حل المشاكل الداخلية، وخاصة تلك المتعلقة بمحاربة الإرهاب.

 

في رأيك لماذا لم يرد اسم الجزائر وتونس وباقي الدول، ضمن قائمة الدول الممنوع مواطنيها من دخول أمريكا؟

ترامب (كعادة الرؤساء الجمهوريين) قام بذلك استعدادا لإعادة توزيع الأدوار في اطار السياسة الخارجية الأمريكية ولكن بتكتيك جمهوري، أرى أن ترامب سيحضر هراوته للتدخل المباشر في هذ الدول، وفرض الأمر الواقع فيها خاصة اذا ما لاحظنا أنها دول لها مواقع إستراتيجية، أرى أن المرحلة القادمة ستكون التدخل العسكري المباشر في هذه الدول، وبتعلة حفظناها دائما وهي محاربة الإرهاب، وحماية المصالح الأمريكية، وكذلك بتعلة أنها دول فاشلة، ولا أرى أن الجزائر وتونس من دول الفاشلة، لكن سأقول دائما لزعماء هذه الدول لا تحاولوا جلب الهراوة الأمريكية لحماية أمنكم القومي تحت أي ذريعة يجب العمل المشترك أكثر على القيام بذلك، وأرى أنه يجب الإسراع في حل الأزمة الليبية للابتعاد أكثر عن شبح التدخل تحت أي ذريعة كانت.

وهنا أنا ضد من يقول إن أمريكا ستدخل في مرحلة انعزالية من جديد أو إنها ستعيد إحياء مبدأ مونرو الانعزالي لتطبيقه، أرى أن السياسة الخارجية الأمريكية ستكثف من التدخل العسكري المباشر لحل القضايا الدولية لكن وفق مقاربة الربح ولخسارة وهذه لعبة يجيدها ترامب.

كيف ترون مستقبل العلاقات الإيرانية ـ الأمريكية في عهد ترامب، خاصة أن المشاحنات والاستفزازات بدأت، وكيف سيكون صدى ذلك الصراع على منطقة الشرق الأوسط؟

يجب أولا أن نفهم ان اي إدارة امريكية لا يمكنها الذهاب بعيدا في حدتها او تطرفها الاستراتيجية العامة التي تسطر انطلاقا من دوائر عديدة لصياغة القرار واتخاذه، فهناك مرتكز بحث تقترح وهناك اجهزة مخابرات تسطر الاحتمالات وهناك وزارة خارجية تخطط السياسات وهناك بيت ابيض يتخذ القرارات وهناك كونغرس بحجرتيه يشرع.

واذا ما تأملنا في الاتجاه المتطرف الذي اتجه فيه ترامب إزاء الملف النووي الإيراني فإن ذلك لا يعني البتة التراجع عن اتفاق ابرم سابقا معها، فهذا الاتفاق يأتي في اطار مشترك بين الدول الست الكبرى جميعها، وارى ان ترامب يمكن ان يتجه الى اللعب للضغط على ايران في اطار خارج هذا الاتفاق وهو نفس الشيء الذي واصلته إدارة اوباما حتى بعد امضاء الاتفاق النووي، وهو اتفاق على فكرة حققت فيه إيران القدر الادنى من الطموحات النووية، فقد حققت من خلاله اعترافا دوليا بحقها في هذه التكنولوجيا وحقها في تطويرها وان سلميا.

وأرى ان الإدارة الامريكية الحالية لا يمكن ان تذهب بعيدا في سياستها مع ايران خاصة وان الرئيس الجديد ليست له خيارات كبرى في المنطقة دبلوماسيا، وبالضرورة مع التقارب الروسي التركي وكذلك التفاهم الايراني التركي، هذا المثلث هو الذي سيمنع ترامب من الذهاب بعيدا في الضغط على ايران، وهذا بحساب الربح والخسارة بالنسبة للادارة الجديدة. أرى ان الولايات المتحدة سوف تذهب اكثر نحو احتواء الملف الايراني ومنع طهران من الامتداد اكثر في استراتجياتها في الشرق الوسط، خاصة مع التقدم الكبير الذي حققته في الصراع السوري الى جانب حلفائها، وكذلك في الملف اليمني..

واخيرا وليس اخرا في العراق، لذلك أرى أن التكتيك الذي اتجهت فيه ادارة ترامب سيجد طرقا مسدودة، وهو ما قد ينبئ بطريقين اما التدخل المباشر من جديد في المنطقة عسكريا وخاصة في كل من سوريا والعراق اليمن بتعلة مكافحة الارهاب، او التخلص تباعا من كل المسؤوليات في هذه المنطقة، وهو ما يعني البحث عن حصان اسود جديد يمثل السياسة الامريكية في الشرق الاوسط وهذا ما سيكون صعبا خاصة وان اغلب البلدان التي تربطها تحالفات قديمة مع الادارة الانريكية تنظر بتوجس للدور الامريكي الجديد في المنطقة، إلا في العلاقة بالعربية السعودية التي تنظر الى ترامب كفرصة في علاقة بالملف الايراني، الا ان تلك الحسابات قد تسقط مع المقاومة الكبيرة لايران في منطقة الشرق الاوسط. لذلك اقول إن الاتجاه العام في العلاقة بين امريكا وايران في المنطقة تحتمل كل السيناريوهات ولكن اقربها سوف يكون احتواء القوة الايرانية حتى بالتدخل المباشر في مناطق الصراع المعروفة في المنطقة.

لم يصمد أي من رؤساء الدول التي قامت بها "ثورات" أمام الغضب الشعبي أو التدخلات العسكرية التي "أزاحتهم" من على سدة الحكم، بما تبررون بقاء بشار الأسد إلى يومنا هذا على كرسي الحكم بسوريا؟

اولا، ارى ان الازمة السورية لا تقبل هذا التوصيف، ما مرت به سوريا في الاخير كان مقررا في اطار استراتيجية كبرى، وفي اطار لعبة شطرنج كبرى، كانت تقاطعاتها في سنة 2006 في جنوب لبنان وانتقلت في سنة 2011 الى سوريا، لذلك كانت المطالبة برحيل الاسد ضمن هذه الاستراتيجية، ذلك ان امتداد السياسة الخارجية للدول الغربية في الشرق الاوسط مرتبط بمدى تلاؤمها مع النظرة المعولمة اولا وكذلك اما نظرتها للعولمة في اطارها الاقتصادي وكذلك السياسي. كان الاتجاه في السنوات الاخيرة من الالفية الماضية والسنوات الاولى صمن الالفية الجديدة نحو دمقرطة الانظمة الموجودة ضمن فضاء سمي الشرق الاوسط الكبير..

الاسد استطاع الصمود في كرسيه بسبب اعادة صياغة مفهوم الصراع في سوريا بمساعدة حلفائه الايرانيين ومن حزب الله والعراقيين قبل دخول روسيا على خط الصراع العسكري مما تسبب في اعادة صياغة خطوط الاشتباك في المنطقة

 

هذا المشروع الذي اراد فرض الديمقراطية في نموذجها الغربي وخاصة الامريكي على دول الشرق الاوسط كان الاستراتيجية العامة والتي اختارت لها الادارة الجمهورية الامريكية تكتيك الصدمة والرعب، فيما اختارت الادارة الديمقراطية القوة الناعمة واختارت كذلك المناولة. هذه الاستراتيجية القائمة على عولمة الانظمة السياسية في الشرق الاوسط وكذلك على عولمة رأس المال في المنطقة وجدت دولا ممناعة لها، ابرزها المحور الايراني السوري يالاضافة لحزب الله في لبنان، كان فشل العدوان الإسرائيلي على حزب الله ضمن هذه الرؤية..

وكان فشل امريكي كذلك في نشر هذا المشروع في العراق بل وسلمت امريكا العراق لايران راسا، وبقي الكرف الثالث في سوريا، والتي كان رأس نظامها مطلوبا لعديد الدول ومنها الخليجية والتي فعلت كل ما وسعها لذلك بما فيها اعادة جلب مثال بريجنسكي للجهاد ضد السوفيات الى سوريا، وهو ما تسبب في كل الفوضى في المنطقة ومنها كذلك ظهور تنظيم داعش وانتفاخه حتى بات يشكل ازمة للدول التي دعمته عندما كان رضيعا في المهد.

واعتقد ان الاسد استطاع الصمود في كرسيه بسبب اعادة صياغة مفهوم الصراع في سوريا بمساعدة حلفائه الايرانيين ومن حزب الله والعراقيين قبل دخول روسيا على خط الصراع العسكري مما تسبب في اعادة صياغة خطوط الاشتباك في المنطقة. للإشارة فإن دخول الروس على خط الصراع مباشرة هو الذي ادى الى صمود الاسد خاصة مع الدعم الصيني الروسي في مجلس الامن، والذي منع من اعادة سيناريو الاطاحة بالقذافي في سوريا من خلال البند السابع للامم المتحدة وكذلك فرض مناطق حظر جوي فوق الاراضي السورية.

إلى أي مدى يمكن الحديث عن خطة فعلية لحل الأزمة اليمنية خاصة بعد عودة تنظيم القاعدة؟

الحل بالنسبة للازمة اليمنية لا يمر الا عبر حوار فعال بين مختلف المتدخلين في هذه الازمة، وهو ما لا يمكن ان يتوفر مع التعنت من الجانبين خاصة من الجانب السعودي الذي يقود التحالف العسكري ضد الحوثيين الذين من جهتهم يرون انه لا يمكن ان يوجد حل سياسي دونان يكونوا مسيطرين على السلط المستقبلية وفي اي مسار سياسي لحل الازمة. ان اي مبادرة يجب ان تمر اولا بفترة هدنة عسكرية بين الطرفين من خلال وقف إطلاق نار فعلي، وهذا ما هو غير متوفر في الوقت الحالي، فكل يستغل الهدنات المتعددة التي حاول مبعوث الامم المتحدة ان يعقدها وكذلك دول اخرى مثل عمان، لزيادة الضربات ومحاولة الاقدم الميداني وهو ما لا يخدم اية مفاوضات سياسية.

بالنسبة لتنظيم القاعدة فان هذه الاشكالية مطروحة من قبل في اليمن وارى أن هذا التنظيم بالإضافة لتنظيم داعش مرشحان لأن تزداد قوتهما ويكبر تنظيمهما في هذا البلد خاصة مع حالة الفوضى الموجودة، خصوصا أن هذه التنظيمات لا يمكن ان تزدهر الا في مثل هذا المحيط الفوضوي.

 

مقالات الواجهة

الأكثر قراءة

  1. أمطار رعديــة ورياح قوية بعدة ولايــــات

  2. بريد الجـــزائر يحـذر زبائنه

  3. هذه أبرز الملفات التي درستها الحكومة

  4. دولة عربية تتجه لحجب "تيك توك"

  5. تحسباً لعيد الفطر.. بريد الجزائر يصدر بيـانا هاما

  6. توقعات أكثر الدول عرضة لنقص المياه بحلول 2050.. والجزائر في هذه المرتبة

  7. هذه حالة الطقس لنهار اليوم الخميس

  8. أول مشروع إستثماري ضخم في النعامة لخلق 1500 منصب شغل

  9. منذ بدء العدوان.. إرتفاع حصيلة شهداء غزة إلى 32552 شهيد

  10. "الفيفا" تثني على تألق بن زية