بعد شهر من الحراك الشعبي.. أي خيارات للسلطة؟!

“الشارع" متخوف من “الانقضاض على الحراك الشعبي

الحراك الشعبي
الحراك الشعبي

البلاد - بهاء الدين.م - تواصلت اليوم  مظاهر الحراك الشعبي، بعد مسيرات مليونية رفع فيه الشعب صوته عاليًا لخامس مرة على التوالي ضد تمديد حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة..  صور ومشاهد الحشود الضخمة وهي تتوزع على مختلف ربوع الوطن، كانت خيالية واستثنائية، شدت أنظار العالم بأسره إليها، ليس فقط بسبب ضخامتها وإنما لمحافظة المتظاهرين على طابعهم السلمي والحضاري في التعبير عن مواقفهم.

و شجّعت هذه الصورة “التاريخية” الطبقة السياسية بمختلف مشاربها على “التسابق” لطرح مبادرات و رسم سيناريوهات محتملة للخروج بحلول للأزمة السياسية. و رغم تباين المقترحات في ظل “صمت مطبق” للسلطة، يبدو أن انسحاب الرئيس بوتفليقة من المشهد هو الأقرب إلى “الحل المنطقي”، نزولا عند رغبة الملايين الذين خرجوا إلى الشارع. و من هذا المنطلق، لم تستبعد مصادر مقربة من جهات نافذة في النظام أن يقدّم الرئيس استقالته تناغما مع “مخرج مشرف” يكون قيد التحضير للإعلان عنه قبل نهاية عهدته دستوريا في 28 أفريل القادم.

ومنذ انطلاق الشرارة الأولى للمظاهرات في 22 فيفري ضد “العهدة الخامسة” ثم ضد تمديد العهدة الرابعة  لرئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، يبدو أن السلطة تراهن على كسب مزيد من الوقت لامتصاص غضب الجزائريين وتكسير عزيمته بالذهاب بعيدا في المسيرات، بتقديمها عروضا حتى الآن لم ترض الشارع الذي خرج أول أمس للجمعة الخامسة على التوالي بأعداد قياسية فاقت كل التوقعات. ومع مرور الوقت، بدأت تضيق البدائل على النظام السياسي للخروج من هذه الأزمة ويتجه نحو مأزق سياسي لأن الدستور والمؤسسات الموجودة غير قادرة على تجاوز هذه الأزمة.

وبعد جملة القرارات التي أعلن عنها الرئيس ، وأجرى بموجبها تعديلا حكوميا، واستحدث منصب نائب رئيس الوزراء، وتراجع عن نية خوض المعترك الرئاسي و بعدها جدد تمسكه بها في رسالة للأمة بمناسبة عيد النصر، نزل المواطنون الشارع حاملين عددا من الشعارات التي تعبر عن تذمرهم من تلك القرارات فـ “لا ندوة لا تأجيل.. الرحيل يعني الرحيل”، “ترحلوا.. يعني ترحلوا”، “بوتفليقة.. ما تزيدش دقيقة”، “ترحلوا ڤاع” وغيرها من التعبيرات التي تمخضت كردود فعل و تواصلت إلى غاية أمس.

و يتوقع مراقبون ثلاثة سيناريوهات للخروج من الأزمة، في ظل “عروض” الحكومة، ورفض الحراك الشعبي الذي قدم خلال الجمعة الخامسة “استفتاء شعبيا” لخارطة الطريق التي وضعتها السلطة. و يتوقع الأكاديمي والمحلل السياسي، جلال مناد، مُواصلة السلطة “تحديها” للشارع و مضيها في تطبيق خارطة الطريق المقترحة رغم الرفض الشعبي لها، ومع تعويلها على عاملين أساسيين هما محاولة اختراق الحراك الشعبي من خلال جذب مجموعة من الناشطين أو رموز هذا الحراك والتفاوض معهم في الندوة الجامعة التي تعمل على إنجاحها، أو تعيين بعض قيادات الحراك بحكومة التكنوقراط الانتقالية المراد تشكيلها، لكن يبقى هذا الحل أعرج ـ حسب رأيه ـ لأنه لا يُرضي الجميع. وتواجه السلطة مشكلة أساسية، حيث لم تجد الجهة التي تتحاور معها في ظل رفض المتظاهرين استمرارها بالحكم والتفاوض معها ورفض المعارضة الندوة المقترحة.

 

التخلي عن بدوي ولعمامرة

و يطرح الناشط السياسي والحقوقي، محمد رابحي، أن تلجأ السلطة للمراهنة على “الاستجابة ولو جزئيا لمطالب المحتجين لأن الأولوية الأساسية بالنسبة لها هي وقف المسيرات”. كما لا يستبعد تخلي السلطة عن الوزير الأول نور الدين بدوي ونائبه رمطان لعمامرة، واقتراح حكومة جديدة تكنوقراط توافقية بواجهة أخرى.

في الاتجاه نفسه، يتوقع المحلل السياسي محمد عمرون تقديم السلطة مزيدا من التنازلات للحراك الشعبي لخلق أرضية توافقية، يقبل من خلالها الحراك التحاور مع السلطة، مثل تقديم رئيس الجمهورية وعدا باستقالته قبل 28 أفريل (تاريخ انتهاء ولايته الحالية) أو يعطي صلاحية أكبر للحراك الشعبي ليختار قيادة تمثله بحكومة انتقالية، لكن يبقى الإشكال في مسألة “الثقة المنعدمة ما بين الحراك والسلطة”.

وبعد 28 أفريل ، بقاء الرئيس في السلطة لا يعطيه صلاحيات رئيس الجمهورية، بل يصبح في وضع رئيس دولة، وإذا استقال بعد انتهاء ولايته الحالية هذا يؤدي إلى نوع من الانفراج وبداية الحل بالنظر لمطالب الشارع المتزايدة.  ويتناغم هذا الطرح ولو جزئيا مع تسريبات لترتيبات حول إعلان الرئيس استقالته في رسالة للأمة يعلن خلالها “استجابته” لمطالب الشعب وتفعيل المادة 102 لتبدأ بعدها مرحلة انتقالية تديرها جهات من خارج السلطة. و في هذا الإطار قال المحامي والحقوقي، مصطفى فاروق قسنطيني، في تصريح إعلامي أمس “ لو استشارني الرئيس في الوضعية الحالية لطلبت منه أن يتوجه إلى المجلس الدستوري ويطلب منه رسميا تفعيل الماده 102 من الدستور حتى يضمن مخرجا مشرفا من الأزمة الحالية”.

وقال المحامي الذي بقي على رأس الهيئة الاستشارية لحماية ترقية حقوق الانسان حوالي 17 سنة، إنه يترقب شخصيا أن يقدم الرئيس استقالته قبل 28 أفريل المقبل، وإذا لم يتم ذلك فإن “الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات والأخطار”.  وتنص المادة 102 “إذا استحال على رئيس الجمهوريّة أن يمارس مهامه بسبب مرض خطير ومزمن، يجتمع المجلس الدّستوريّ وجوبًا، وبعد أن يتثبّت من حقيقة هذا المانع بكلّ الوسائل الملائمة، يقترح بالإجماع على البرلمان التّصريح بثبوت المانع”.

ويُعلِن البرلمان، المنعقد بغرفتيه المجتمعتين معًا، ثبوت المانع لرئيس الجمهوريّة بأغلبيّة ثلثي (2/3)أعضائه، ويُكلّف بتولّي رئاسة الدّولة بالنّيابة مدّة أقصاها خمسة وأربعون (45) يومًا رئيس مجلس الأمّة الّذي يمارس صلاحيّاته مع مراعاة أحكام المادّة 104 من الدّستور. أما اذا استمرار المانع بعد انقضاء خمسة وأربعين (45) يومًا، يُعلَن الشّغور بالاستقالة وجوبًا حسب الإجراء المنصوص عليه في الفقرتين السّابقتين وطبقًا لأحكام الفقرات الآتية من هذه المادّة. وفي حالة استقالة رئيس الجمهوريّة أو وفاته، يجتمع المجلس الدّستوريّ وجوبًا ويُثبِت الشّغور النّهائيّ لرئاسة الجمهوريّة. 

وتُبلّغ فورا شهادة التّصريح بالشّغور النّهائيّ إلى البرلمان الّذي يجتمع وجوبًا، على أن يتولّى رئيس مجلس الأمّة مهام رئيس الدّولة لمدّة أقصاها تسعون (90) يومًا، تنظّم خلالها انتخابات رئاسيّة.  ولا يَحِقّ لرئيس الدّولة المعيّن بهذه الطّريقة أن يترشّح لرئاسة الجمهوريّة.

 

الرحيل الكلي للنظام

و يطرح مراقبون أيضا خيار “الرحيل”، حيث تضيق الخيارات يوما بعد يوم على السلطة، لأن المطلب الأساسي الذي يضعه المتظاهرون هو رحيل الرئيس والمحيطين به (الذين سوقوا للعهدة الخامسة) وهذا هو المعنى الوحيد لرفض التأجيل والتمديد، حسب مراقبين.

ازدياد الضغط على النظام السياسي وقدرة الحراك على خلق آليات جديدة من الضغط على السلطة يخلق سيناريو ثالثا ـ حسب عمرون ـ وهو “تنحي النظام نهائيا من الواجهة السياسية لتفادي الصدام مع الشارع، وهنا يتدخل المجلس الأعلى للأمن كما تدخل في ماي 1991 ويعلن حالة الطوارئ، ويشكل حكومة انتقالية تشرف على تنظيم الانتخابات أو مرحلة انتقالية” لكن هذا الإجراء لا يؤدي للتغيير الجذري للسلطة حسب مراقبين بينما يؤدي إلى فتح حوار مع أطراف معينة أو كيفية الذهاب إلى الانتقال. 

هل يمكن للسلطة الذهاب لهذا الخيار (الانسحاب)؟ يرى مراقبون بأنه “تم الالتفاف على هذا الخيار منذ البداية، لأن مشكلة الولاية الخامسة والقرارات التي جاءت ردا على الحراك الشعبي كلها كانت مرتبطة بفكرة واحدة هي تجنب الذهاب إلى خيار خروج بوتفليقة، رغم وضعه الصحي والفراغ الموجود بالرئاسة، والغموض في اتخاذ القرارات، كل هذه المشاكل وقعت فيها الجزائر بسبب رفض خروج بوتفليقة وإصراره على الحكم مدى الحياة”.

وترى أطراف مراقبة أن الرئاسة خرجت عن “المشروعية الدستورية” لأن قرار تأجيل الانتخابات غير دستوري، وهذا باعتراف لعمامرة، وعند الخروج من “المشروعية الدستورية” انتهى الأمر، وكل القرارات التي تتوافق مع مطالب المتظاهرين تصبح مبررة “بالشرعية الشعبية”.

 

 

 

 

مقالات الواجهة

الأكثر قراءة

  1. طقس الخميس.. امطار غزيــرة على هذه الولايات

  2. طقس الأربعاء.. أمـطار على هذه الولايات

  3. الكاف تعلن رسميا خسارة إتحاد العاصمة على البساط أمام نهضة بركان

  4. هذه أبرز مخرجات اجتماع الحكومة

  5. منذ بدء العدوان.. إرتفاع حصيلة شهداء غزة إلى 34305 شهيد

  6. التوقيع على مشروع ضخم بقيمة 3.5 مليار دولار بين وزارة الفلاحة وشركة بلدنا القطرية لإنجاز مشروع متكامل لإنتاج الحليب

  7. حول طلبات التقاعد.. بيان هام من "كاسنــوس"

  8. قسنطينة.. تدشين مصنع لقطع غيار السيارات ووحدة لإنتاج البطاريات

  9. حج 2024.. بيان هام من الديوان الوطني للحج والعمرة

  10. دخول شحنة جديدة من  اللحوم الحمراء المستوردة