تحقيق: بالجزائر.. "أطفال" بلا شهادة ميلاد

الجزائر- فاروق حركات: لم تدم فرحة عبد المجيد لعبيدي (45 سنة)، طويلا بخبر ازديان فراش أسرته بمولودة جديدة بَعد رفض مصالح الحالة المدنية للبلدية تقييد ابنته المولودة يوم 23 جانفي 2017 في سجلات الحالة المدنية باسم " تانيلا" وهو اسم أمازيغي يعني "اليمامة".

من يومها، يخوض عبد المجيد معركة قضائية عساه يفلح في تقييد ابنته باسم اختاره لها متعجبًا من حجج ساقتها بلدية عنابة كون اسم ابنته مخالف لأحكام قانون الحالة المدنية على اعتبار أنه غير مدون في المعجم الوطني للأسماء الصادر في سنة 1981.

ابنته منذ ولادتها في 23 جانفي 2017 وهي تعيش بلا هويّة إلى يومنا هذا، ولا تملك حتى شهادة ميلاد، بسبب تأخر مجلس الدولة للنظر في استئناف كان قد تقدم به بعد استنفاذ كل الخطوات الودية، حسب ما أكده في حديث لـلمحقّق.

ترفض السلطات الجزائرية ممثلة في مصالح الحالة المدنية تمكين المواطنين من حقهم الثقافي والمدني في اختيار الأسماء الأمازيغية لمواليدهم الجدد، وهو ما يحول دون تسجيلهم في السجل المدني ويجعلهم أطفالا بلا "هوية مدنية".

تعج المحاكم الجزائرية بقضايا مماثلة لقضية "تانيلا" تتصل مجملها بملفات أسماء المواليد وهو ما أكده المحامي كسيلة زرقين في حديث مع المُحقّق نظرا لكثرة الملفات المرفوضة من قبل المصالح الإدارية في الجزائر، إذ يُحصي كسيلة 20 قضية من نفس النوع مرفوعة في محاكم بالشرق الجزائري خلال السنوات العشرة الأخيرة.

ويتحدث المحامي من منطلق العارف، إذ رافع في عدة قضايا لها علاقة بهذا الشأن، مؤكدا آن المشكلة لا تتعلق بمنطقة بعينها وإنما تفشي مشكل عدم تقييد الأسماء بالأمازيغية يشكل جميع المحافظات دون استثناء.

رغم تعنت الإدارة وأمام استعصاء القانون مازالت العائلات الجزائرية، بحسب المحامي، تتمسك بما تعتبره حقها في اختيار أسماء لأبنائها، بينما هناك فئة قليلة استسلمت لرغبة الإدارة بتغيير الاسم.

القاموس الوطني للأسماء يتجاوز الدستور الجزائري !

ينص المرسوم رقم 81-26 المؤرخ في أول جمادى الأولى عام 1401 الموافق 7 مارس سنة 1981، الذي يتضمن إعداد قاموس وطني لأسماء الأشخاص في مادته الأولى على "تكليف المجالس الشعبية البلدية بإعداد قائمة مجموع أسماء الأشخاص الواردة في سجلات الحالات المدنية، وإرسالها إلى وزارة الداخلية قصد إعداد قائمة وطنية، حيث تحتوي هذه الأخيرة على جميع أسماء الأشخاص المحصاة في الجزائر، مسجلة حسب الترتيب الأبجدي".

وحسب ذات المرسوم فإنه "كل تسجيل جديد لاسم شخص ما في سجلات الحالة المدنية أو تعديله على هذا الأساس، وتكتب جميع أسماء الأشخاص باللغة العربية، وتتولى هذه الكتابة وزارة الداخلية، على أساس الترجمة الصوتية لأسماء الأشخاص".

وفي هذا الصدد يقول زرقين أن المرسوم الذي يحدد الأسماء الجزائرية ويضم 150 اسما للإناث و150 اسما آخر للذكور، من المفروض أن يقبل جميع الأسماء شريطة عدم مساسها بالآداب أو يكون مصدرا للإهانة والمهزلة، لكنه في المقابل تقبل أسماء أجنبية وغربية فيما ترفض الأمازيغية منها.

ويستند المحامي في طرحه كون الدستور الجزائري المعدل سنة 2016 ينص في مادته الرابعة على أن "تمازيغت لغة وطنيّة ورسميّة.وتعمل الدّولة لترقيّتها وتطويرها بكل تنوّعاتها اللّسانيّة المستعملة عبر التراب الوطني.

كما أن الدستور الجزائري ينص في مادته 32: "كل المواطنين سواسية أمام القانون. ولايمكن أن يُتذرّع بأيّ تمييز يعود سببه إلى المولِد، أو العِرق، أو الجِنس، أو الرّأي، أو أيّ شرط أو ظرف آخر، شخصيّ أو اجتماعيّ".

رحلة تسجيل اسم مرفوض

تشير عريضة افتتاح دعوى قضائية من قبل لعبيدي عبد المجيد ضد بلدية عنابة، تحصل عليها معد التحقيق، إلى أن المدعى تفاجأ لدى تقدمه من مصالح بلدية عنابة قصد استرجاع الدفتر العائلى برفض ضابط الحالة المدنية تسجيل المولودة تحت اسم " تانيلا " على اعتبار-بحسبه- وانه الاسم الامازيغى موضوع قضية الحال مرفوض، أين تم تسجيلها تحت اسم " مريم ".

وحسب الوثيقة فإن المدعى تقدم على إثرها – عن طريق دفاعه - بطلب إلى السيد وكيل الجمهورية قصد تسمية ابنته تحت هذا الاسم، أين تم رفضه على أساس"  وان الاسم الذي تم اختياره مخالف لأحكام قانون الحالة المدنية الذي يشترط أن تكون الأسماء جزائرية.

و بتاريخ 06/05/2017 تقدم المدعي - عن طريق دفاعه - بتظلم لدى مصالح المدعى عليها، غير أن هذه الأخيرة لم تقم حتى بالرد على التظلم، والمدعى لم يجد من سبيل لتسوية هده المسألة بعد كل هذا سوى اللجوء إلى هيئة المحكمة الإدارية التي لم تقبل الدعوى لعدم الاختصاص النوعي.

وأكد إصراره على استكمال المعركة القضائية وتسجيل ابنته باسم "تانيلا"، من خلال تقديمه إلى استئناف الحكم لدى مجلس الدولة، حيث استند على أن "تانيلا " من الأسماء الجزائرية الامازيغية الأصيلة المتداولة و المنتشرة بكثرة بالأخص في منطقة الاوراس، وأرفقه بشهادة ميلاد البنت "تانيلا جبار" المولودة بولاية أم البواقي.

تضارب في أرقام السلطات الجزائرية بشأن الأسماء الأمازيغية

قدمت المحافظة السامية للأمازيغية سنة 2012 ، لوزارة الداخلية والجماعات المحلية، قائمة حملت 1000 اسم أمازيغي غير معترف به من قبل الإدارة العمومية في الجزائر، وهذا في خطوة رامية إلى تحديث القاموس الوطني للأسماء.

وقالت المحافظة السامية للأمازيغية، وهي هيئة تابعة لرئاسة الجمهورية، على لسان أمينها العام آنذاك إن الأولياء يواجهون صعوبات في تسجيل أولادهم بأسماء أمازيغية، وقد يلجأ بعضهم إلى المحاكم لانتزاع حق الاسم.

فبعد تعهّد السلطات الجزائريّة أمام اللجان الأمميّة بتحيين القاموس الوطني للأسماء، تقلص مرة ثانية، وهذه المرة إلى 300 اسم فقط (نصف للذكور والنصف الآخر للإناث)، وهذا في تعليمة لوزارة الداخلية والجماعات المحلية، مؤرخة في 04 ماي 2016.

وهنا يؤكد المحامي كسيلة زرقين- الذي تأسس في عدة قضايا من هذا النوع- إن التعليمة الصادرة في 4 ماي 2016، لا تمتلك قيمة قانونية في الجزائر، بخلاف النص القانوني أو المرسوم التنفيذي.

تباين في مواقف المنظمات الحقوقية

يؤكد عبد الرحمن عرعار رئيس الشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الطفل "ندى"، أن مصالح الحالة المدنية ليس من حقها رفض تسمية المواليد بالأسماء الأمازيغية.

ويضيف عرعار في حديث مع المُحقق أن لا أحد له الحق في منع تسمية المولود باسم أمازيغي بما أن اللغة الأمازيغية أصبحت رسمية ومُدسترة، معتبرا أن مثل هذه القضايا تنحصر في إطار البيروقراطية لا غير.

أما إدريس فاضلي، عضو المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وهو هيئة حقوقية تابعة لرئاسة الجمهورية، فيشدد على ضرورة التعامل مع هذا الموضوع، بمبدأ الدولة السيدة على إقليمها وتنظمه بالشكل الذي تريد، معتبرا أن الأمر لا يمس بحرية الأشخاص لأن هناك أسباب معقولة إلى حد ما لما تتمتع به الدولة من سلطة.

ويعتقد ذات المتحدث أن عدم قبول الأسماء سواء كانت أمازيغية أو أجنبية راجع إلى كونها تحمل عيبا في معناها أو غير مقبولة من الناحية التاريخية.

بالمقابل، يقول فاضلي: "يوجد العديد من الجزائريين يحملون أسماءً أمازيغية ولا أحد عارض ذلك، لكن البعض ينظر نظرة خاصة للموضوع، داعيا في السياق إلى طرح القضية على الرأي العام للفصل فيها بصفة نهائية".

آباء يفوزون بمعركة تسمية موالديهم

يقول الناشط فؤاد قاسمي إنه واجه صعوبة في تسجيل مولودته البكر باسم أمازيغي لدى مصالح الحالة المدنية لبلدية قايس الواقعة غرب محافظة خنشلة، لكنّه يؤكد بأنه تقييد ابنته باسم "توماست" لدى المصالح المعنية، بعد أن شرح وفسر معنى الاسم المختار، والذي يعني "السيادة" على حد قوله.

واستحضر محدثنا حادثة مماثلة، أين رفضت مصلحة الحالة المدنية لبلدية آريس بولاية باتنة تسجيل مولود تحت اسم "غايا" الذي يعني "المنير"، بالمقابل يشير إلى أن والد "غايا'' وبعد أن قضى قرابة السنتين في المحاكم من أجل تسجيله في نفس البلدية، تمكن من فعل ذلك عن طريق الاحتجاج رفقة بعض النشطاء أمام نائب مكتب رئيس البلدية الذي وافق في الأخير على الأمر.

تناقض في موقف السلطات المحلية

بدا موقف السلطات المحلية ممثلة في البلديات، متناقضا، بحيث أكد رؤساء بلديات بأنه لا يوجد أي مانع في تسجيل المواليد بالأسماء الأمازيغية، فيما شدد آخرون على التقيد بالمعجم الوطني للأسماء الجزائرية، بالمقابل رفض "رؤساء بلديات ومسؤولي مصالح الحالة المدنية الخوض في الموضوع من أساسه.

وتواصل معد التحقيق مع رئيس بلدية ضاية بن ضحوة الواقعة بولاية غرادية جنوب الجزائر، هذا الأخير أكد في حديث مع "البلاد" بأن مصالح بلديته تقبل تسجيل كل أسماء المواليد الجدد بشرط أن لا تكون مسيئة للإسلام أو الجزائر.

أما رئيس إحدى البلديات الواقعة شرق الجزائر العاصمة، رفض إدراج اسمه في التحقيق، اكتفى بالقول بأنه لا يملك معطيات كافية للحديث في الموضوع.

 

مقالات الواجهة

الأكثر قراءة

  1. منذ بدء العدوان.. إرتفاع حصيلة شهداء غزة إلى 33970 شهيد

  2. إطلاق خدمة بطاقة الشفاء الإفتراضية.. هذه هي التفاصيل

  3. رهانات قوّية تُواكب مشروع مصنع الحديد والصلب في بشار

  4. رسميا.. مباراة مولودية الجزائر وشباب قسنطينة بدون جمهور

  5. "الله أكبر" .. هكذا احتفل نجم ريال مدريد بفوز فريقه (فيديو)

  6. لليوم الثالث.. موجة الفيضانات والأمطار تجتاح الإمارات

  7. تسقيف هوامش الربح على لحوم الأغنام والأبقار المستوردة

  8. بريجيت ماكرون المعلّمة التي تزوّجت تلميذها.. في مسلسل من 6 حلقات!

  9. بعد أسابيع من الغلاء .. مهنيون يؤكدون تراجع أسعار البطاطا بأسواق الجملة

  10. رسميا .. التصويت في مجلس الأمن على مشروع قرار الجزائر مساء اليوم