تحضر الروائية بوخديمي فاطمة الزهراء لطرح ثالث أعمالها الأدبية "نساء الخامس من حزيران" عن دار إيكوزيوم أفولاي للنشر و قد بدأت كتابته سنة 2016..
وتصف الكاتبة هذا العمل بأنّه أصعب وأقسى ما كتبته، فالجزء العميق من الحقيقة استقته من حياتها الشخصية إذ هو عبارة عن سيرة ذاتية في جزء كبير من الرواية . المثير في هذا العمل هو أنّه أوّل عمل أدبي جزائري يتطرّق لمأساة النساء الأيزيديات و نقل معاناتهن من الجانب الإنساني .
وكانت الروائية بوخديمي فاطمة الزهراء قد نشرت رواياتها الأولى بعنوان " آخر امرأة تموت لأجلك"، عن دار أفق للنشر و الترجمة سنة 2018 الرواية وكانت فاتحة الحياة الأدبية للروائية نالت خلاله إستحسان النقاد حيث وصفته الكاتبة و الصحفية الجزائرية بلبنان الأستاذة فضيلة الفاروق بالعمل الناضج.
هذا العمل يحاكي قصّة فرّوجة، المرأة القروية التي مات عنها زوجها لتجد نفسها فجأة بلا معيل و في عرقوبها خمس بنات ليس بوسعها سوى أن تضحّي ليعشن بكرامة بعيدا عن مطامع الحياة فيهن. فرّوجة تقليدية إلى أبعد حد و هكذا حاولت أن تربّي الفتيات ولكنّ حلما راود كبرى بناتها ناديا التي عشقت الغناء و المسارح بكلّ ما أوتيت من ملكة المحبّة في زمن ومكان لم يكن من اللائق فيه لامرأة أن تحاكي الفن علنا، قلب موازين الحياة في القرية كلّها عندما قرّرت الفتاة الهروب سعيا وراء أحلامها فتصطدم بواقع مختلف عمّا توقّعت عندما بدأت الغناء في الملاهي بدل المسارح ثمّ اشتعل بقلبها الحب تجاه رجل كانت هوايته المفضّلة تركها مرارا ليعود إلى أسرته التي بناها بعيدا عنها ثلاث سنوات قبل أن يلتقيا في الحقيقة رواية آخر امرأة تموت لأجلك تناولت حياة الأخوات الخمس، ذهبية التي ماتت صغيرة بنار الموقد، فريدة التي أنهكها العنف الزوجي مخافة كلام الناس، فاطمة التي ذاقت الترمّل شابة و فتيحة التي كانت الناجية الوحيدة من البؤس و لكنّها كشقيقاتها كان عليها أن تكافح لتجد فرحتها. هذا العمل بالذات تقول فيه الروائية بأنّها أرادت أن تجيب عن سؤال واحد هو لو قدّر لك أن تجد الحبّ الحقيقي في حياتك و لكنّه لا يتناسب و القيم الاجتماعية للمجتمع الذي تعيش فيه هل ستختاره رغم أنف المجتمع و العائلة أم ستستسلم ؟ لعلّ بطل الرواية ناصر لم يختر ناديا إلاّ بعد أن أنهك جسده السرطان و اختارها حرّة بعيدة عنه لتعيش آمنة منه سعيدة مع غيره و لعلّ ناديا ندمت على اتّباعها شغف الغناء ولكنّ الدّرس المستقى من الرواية هو أنّ الخطأ يغتفر وأنه من ركب القطار الخطأ عليه النزول في أوّل محطّة فكلّما طال السفر كما قيل كلّما كان طريق العودة بعيدا و موجعا وأنه على الإنسان أن يواجه نفسه أوّلا ويبحث عمّا يريد فالمجتمع يتغيّر لا محالة و ما لم يكن مباحا بالأمس بات محمودا اليوم. -
العمل الثاني للروائية كان مجموعة قصصية بعنوان " ملح أسود" عن دار إيكوزيوم أفولاي للنشر 2019 تضمّن إحدى عشر قصّة أغلبها مستوحى من الخيال و بعضها من يوميّات الكاتبة نفسها إذ تقول في كل رواية أكتبها شيء من الحقيقة عن نفسي أنسجه بين صفحات الكتاب. المثير للاهتمام في الملح الأسود أنها تضمّنت أسماء جزائرية بحتة، منها: بوعلام، قدور، لالّة فاطمة، الزهور، خداوج ، المبروك و غيرهم وهو شيء لم نعتده مع موجة الاسماء الشرقية لأبطال الروايات و حتى التغريب.
تناولت الروائية في المجموعة القصصية واقعا اجتماعيا مرّا للطّبقة المهمّشة و الوجه السيّء للعائلات الثرية، نظرة النّقص للمواليد الإناث، البطالة و الفقر، اليتم والعقم، والحقد. "يا المومنين " قصّة استوحتها الكاتبة من كونها تستقلّ القطار الى عملها يوميا، لامرأة متسوّلة تصحب ابنها فلا تجلس حتى تملأ قوارير الحليب الفارغة نقودا... و لن تتغيّر حياتها حتى يموت طفلها و هو يحلم بالبحر، أمّا بوعلام فشاب بسيط دفع حياته ثمنا لطيبة قلبه المفرطة، قدّور يحاكي مأساة البطالة المريرة ، المهندس الذي يضطرّ لكنس الشوارع حتّى يعيل أمّه متسائلة كم من قدور في المجتمع الجزائري؟ خداوج العمياء، ثلاثة عشر ولدا، بئر لالّة فاطمة، قصص خيالية من واقع القرى أو ما يطلق عليها مناطق الظلّ و الظلام، عتمة البؤس والفقر و الجهل أيضا تحاصر المكان و برغم ذلك الكثير من القيم الجميلة فقدتها المدن و تاهت عنها الى القرى، و بنفس المجموعة تناولت الكاتبة قصّة صابر الشاب المتدين الذي انقلب الى الإلحاد و جاره القوّاد الذي طرق باب التوبة.. هنا أيضا رسالة أرادت الروائية توجيهها و هي أنّه على المرء ألاّ يغترّ بعقيدته وألاّ يوزّع أقدار الله على أحد فالنهايات غالبا مدهشة وألاّ يستصغر الواحد فينا الخير مهما كان فلا ندر اي الحسنات تفتح لنا أبواب الخير و أي أذى قد يهوي بنا في البؤس. -
