"الشخص الذي يشعر بأنه يخدع الجميع"..ماذا تعرف عن "متلازمة المُحتال"؟!

لم أكن قد بلغتُ عامي الثاني في الصحافة عندما تحصّلت على الجائزة الأولى في الإعلام الإلكتروني ضمن مسابقة وطنية قبل ما يزيد عن 5 سنوات. كنت في غاية السعادة بذلك ، لكن سعادتي ظلّت ممزوجة ، طيلة الوقت ، بشعور غامض بأنني لا أستحقّ الجائزة، وبأنّ القائمين على المسابقة سرعان ما سيتفطّنون لغلطتهم ليعلنوا عن سحبها منّي وتحويلها إلى مشارك آخر أو حجبها هذه السنة لعدم وجود أعمال صحفية حقيقية تستحقّ التتويج.

لقد تمّ اختيار عملي للفوز بالمرتبة الأولى في المسابقة بقرار من لجنة تحكيم كانت تتكوّن من أساتذة باحثين في الإعلام ، ومن ممارسين من ذوي الباع الطويل في المهنة ، وخبراء في موضوع المسابقة (الاستخدامات الجديدة لمواقع التواصل الاجتماعي وتكنولوجيا الاتصالات) ، لكن ذلك لم يكن ليخفّف من وطأة شعوري بأنني أخدع الجميع. وقد بلغت حدّة الشعور بالخداع والاحتيال في صدري ذروتها وأنا ألقي تلك الكلمة التي يطلبون إلقاءها في مثل هذه المناسبات..وأمام العشرات من الطيّبين!.

يقول علم النفس إنّ شعوري ذلك كان مردُّه ظاهرة نفسية تعارف المتخصّصون على تسميتها ''بمتلازمة المحتال'' (Impostor syndrome). و''متلازمة المحتال'' هذه هي تجربة وجدانية تجعل الفرد يفكّر بأنه غير جدير بالإنجازات التي يحقّقها ، وبأن نجاحه في القيام بمهمّة ما لم يكن إلا ضربة حظّ ، على الرغم من أنّ إنجازاته وكفاءته قد تحظى بالتقدير والاعتراف من الآخرين ، لكن وبدلا من أن يجعله ذلك يطمئن إلى كفاءته ، فإنه سيضيف إلى شعوره بعدم الكفاءة شعورا بالذنب إزاء خداعه للآخرين وإزاء كونه ''مُحتالا''.

ماهي "متلازمة المُحتال"؟

عندما نشرت عالمتا النفس الأمريكِيَّتان ''باولين روز كلانس'' و''سوزان آيمس'' ، في العام 1978 ، أول دراسة علمية حول الظاهرة بجامعة جورجيا الأمريكية ، وأطلقتا عليها تسمية ''متلازمة المحتال'' ، كانت السيّدتان تعتقدان أن هذه ''المتلازمة'' خاصّة بالنساء فقط ، وبالضبط : النساء ذوات الكفاءة المهنية و/أو الأكاديمية العالية ، حيث شملت الدراسة التي امتدّت على مدار 5 سنوات ، 150 سيّدة تحمل شهادة دكتوراه الفلسفة (PhD) في تخصّصات مختلفة.

وقد خلُصت الورقة البحثية لكلانس وآيمس ، آنذاك ، إلى أنّ التنشئة الأسرية التي تصمّم أدوارا اجتماعية نمطية للمرأة ، تفترض أنها غير مؤهّلة مثلا لبعض الوظائف أو المراتب العلمية ، هي من بين أكثر العوامل الاجتماعية مساهمةً في تشكيل نفسية ''المحتال'' التي كانت تجعل الواحدة من أولئك النسوة ، تعتقد -وهي الأستاذة الباحثة في مجالها- بأنها لا تستحقّ مكانتها المهنية أو العلمية على الإطلاق ، وبأنها تخدع أي شخص يعتقد بغير ذلك.

فيما بعد ، توصّلت دراسات أخرى عديدة حول الموضوع ، إلى عدم وجود أي فروق بين الجنسين عندما يتعلق الأمر بتجربة المشاعر والأفكار الناجمة عن ''متلازمة المحتال'' ، وهو ما أكّدته ''باولين روز كلانس'' نفسها ، في ورقة بحثية نشرت لها في العام 1993  ، بالاشتراك مع ''جوزيف لانغفورد'' هذه المرة. وقد أصبحت الدراسات الآن تربط ''المتلازمة'' بعوامل نفسية تتعلق بشخصية الفرد في حدّ ذاته ، حيث كشفت ''ماري توبينغ'' مثلا (1983) عن علاقة وثيقة بين سِمة القلق (Trait anxiety) و''متلازمة المحتال''.

و''سِمة القلق'' هنا تختلف عن ''حالة القلق'' (State anxiety) ، فالقلق كحالة قد ينتاب أي شخص لفترة محدودة من الزمن عندما يكون في مواجهة موقف خارجي معيّن ، في حين أنّ ''سِمة القلق'' هي صفة مستمرّة ولصيقة بشخصية الإنسان ، تجعله عُرضة للأفكار السلبية بشأن مواقف كثيرة ، قد لا تكون مثيرة للقلق بالنسبة لأشخاص آخرين ، مثل الفوز بجائزة ، أو الحصول على شهادة الدكتوراه.

نصف الكأس الممتلئ!

الخبر السعيد أنّ "متلازمة المُحتال" ليست تجربة سيئة بالمطلق ، فقد توصّلت دراسة حديثة لـ "باسمة توفيق" ، الباحثة في مخبر "وارتون" بجامعة "بنسلفانيا" الأمريكية ، إلى وجود علاقة بين "مشاعر الاحتيال" وبين الأداء الوظيفي، حيث تبيِّن الدراسة التي شملت 160 موظّفا في قطاعات معيّنة ، أن "المتلازمة" ليست ظاهرة سلبية في جميع الأوقات ، وإنما هي أيضا مصدر لتحفيز ''المُصابين'' بها على التفاني في العمل.

أكثر من ذلك ، تقول الباحثة إنّ "المُحتالين" كانوا أكثر تحكُّما من غيرهم في المهارات الاجتماعية المطلوبة في مكان العمل ، مثل الاستعداد للتعاون مع الزملاء ، وتشجيع الآخرين ، والقدرة على الإنصات ، والرغبة في تقديم المساعدة ، وغيرها من المهارات التي تندرج في إطار ما يسمى "Soft skills" أو المهارات الشخصية ، في مقابل المهارات التقنية والعملية أو "Hard skills".

حسنًا ، أعتقد أنني سأشعر بـ"الاحتيال" مرة أخرى إذا زعمتُ أنني أمتلك كلّ ما سبق من الصفات. لكن ما ختمت به الباحثة  مقالها كان مثيرًا للاهتمام:"متلازمة المحتال، ليست بالأمر الطيّب دائما ، ولا هي بالأمر السيئ..إنها فقط أكثرُ تعقيدًا مِمّا يُمكن أن نتصوّر".

مقالات الواجهة

الأكثر قراءة

  1. إطلاق خدمة رقمية جديدة وهامة تتعلق ببطاقة الشفاء

  2. طقس الأربعاء.. أمطار ورياح قوية على هذه الولايات

  3. تسهيلات النقل الجوي وإنجاز أطروحة الدكتوراه في الوسط المهني على طاولة الحكومة

  4. أمطار رعدية غزيرة على هذه الولايات

  5. مجلس الأمة يفتح باب التوظيف

  6. الصحفي والمعلق الرياضي محمد مرزوقي في ذمـــة الله

  7. منذ بدء العدوان.. إرتفاع حصيلة شهداء غزة إلى 33970 شهيد

  8. إطلاق خدمة بطاقة الشفاء الإفتراضية.. هذه هي التفاصيل

  9. غدًا الخميس.. مجلس الأمن يصوّت على عضوية فلسطين

  10. ارتفاع مصابي عرب العرامشة إلى 18 إسرائيليا