أغنياء.. في بحر من الفقراء

المشكلة أن فقراء العالم.. لا ينتبهون إلى منابع مصائبهم..

دافوس.. ليس أكثر من عنوان للضحك على الفقراء.. في بلد هوالملاذ الأول لمهربي ثروات الشعوب المغلوبة على أمرها.. أعني سويسرا التي تتقن صناعة الساعات الفاخرة.. كما تتقن فن التعمية على أسماء المهربين الكبار .. من أمثال ديكتاتوريي العالم الثالث ومشتقاتهم من أغنياء الحروب والاستيراد الباذخ وعرابي إصلاحات صندوق النقد الدولي.

 في كل عام يلتئم شمل المهرجين الدوليين الذين يعيدون تجميل مسرحية رديئة.. يراد لها أن تتجدد كل عام.. لتوهم الفقراء أن العالم يهتم لشأنهم.. وإنه يجتمع في هذا الفصل البارد.. ليمنحهم الدفء والخبز.. وهم في الواقع كذابون ولصوص.. يسوقون أوهامهم لشعوب يأكلها الفقر وتجرفها إلى الهاوية الديكتاتوريات المتواطئة معهم.

 عقب الانهيار المدوي لبعض الرؤوس التي حكمت العالم العربي (القذافي، بن علي، مبارك).. اكتشف المغلوبون على أمرهم.. أنهم مرتهنون للأجنبي الغربي.. الذي وضع يده على الأنظمة الحاكمة.. ومن ثم استولى على ثروات الشعوب العربية.. والذي يغض عن عمليات غسل الأموال ونقلها إلى البنوك الأجنبية.. تمهيدا لتوطينها هناك قبل أن يلتحق بها اللصوص الكبار.

 عشرات وربما مئات المليارات حُولت على مدى عشرات السنين من استيلاء الديكتاتوريات العسكرية على الحكم.. إلى الملاذات الأوربية وغيرها بأسماء مستعارة.. سقط الستار فجأة.. وتبين مقدار الغش الذي تمارسه الحكومات الغربية ـ الموشاة بغلالة ديمقراطية زائفة ـ.. ليستمر نزيف النهب والغصب.

                           ***

 التقرير الذي نشرته "منظمة أوكسفام البريطانية" عن أغنى أغنياء العالم.. يبرز إلى أي مدى يتحول الجشع إلى سياسة لتكريس أمر واقع.. فـ"3.6 ملايير" شخص يمتلكون أقل مما يمتلك 8 أغنياء في العالم.. وإن "ثروة 1 في المائة من أغنياء العالم تعادل ثروة بقية العالم مجتمعة".

 ولا يزال الدجل المثار في دافوس.. يتطور بمداخلات خادعة يثيرها عرابوالعولمة.. على غرار الرئيس الصيني.. الذي دافع في منتدى دافوس الحالي.. وباستماتة كبيرة عن العولمة والتجارة الحرة .. ليصف معارضيها بمن يطفئون المصابيح في بيوتهم.. ويروج للعولمة والتجارة الحرة اللتين "جلبتا تقدما كبيرا في الصحة والثروة والتعليم... ـ على حد تعبيره".. لعله يعني بلاده.. متناسيا ـ بقفزه في الفراغ ـ أن فقراء العالم لم يلحظوا شيئا من هذا التقدم المزعوم.. وخلاصة ما يصيبهم من هذا الرخاء الوهمي.. ليس أكثر من قطرة في بحر الناهبين الكبار.. ولعل من بركات هذه العولمة التي يبشر بها الرئيس الصيني.. أن الصين بنت للجزائر دارا للأوبرا.. فالبعض يفضل الرقص جائعا.

 المشكلة أن فقراء العالم.. لا ينتبهون إلى منابع مصائبهم.. أي إنهم يساهمون في تكريس ثقافة الفقر والتسليم بسلطة النهب والسلب.. وإلا كيف يتنازل مليارات الفقراء ـ بمقتضى الاستسلام للأمر الواقع ـ للقلة التي تستحوذ على كل شيء.. لتحرمهم من كل شيء!

بين المطرقة والسندان تتسع شريحة الفقراء عالميا ومحليا.. وعلى عكس التوقعات التي تعكسها على الورق.. التصريحات التي تعد بالرخاء العالمي المزعوم.. يتوغل الفقر في ثنايا المجتمع.. لتنمو طحالب تقتات من جيوب الفقراء.. 

وهل من داع يجبر مليار إنسان جائع .. للتسليم بنصيبهم من الجوع.. في حين تفتك التخمة بأقلية باذخة.. تبذر أكثر مما تستهلك؟ وهل وجد مهاجرو قوارب الموت ما يبررون به الخضوع لسطوة حكامهم الفاسدين.. ليتخلوا عن أوطانهم.. باحثين عن أوطان وهمية.. ولو في مراكب تتحول إلى فخاخ للموت في عرض البحر؟

الرئيس الأمريكي الجديد "دونالد ترامب".. وهو رجل أعمال.. أي من الذين يحسنون جمع المال ولو بطريق السياسة.. يهدد بإعادة فرض الحماية الجمركية على الواردات.. مستهدفا الصين بالدرجة الأولى.. وفي هذا رسالة مباشرة وواضحة للدول المتخلفة التي اعتنقت فكرة العولمة بسذاجة.. وتماهت مع مصالح الشركات متعددة الجنسيات.. لتتحول بين عشية وضحاها إلى بازار مفتوح للبضائع الأجنبية.. أما النتيجة فقد كانت إهدار فرصة التنمية التي أتيحت لها.. لتسقط في شراك الفقر والتبعية.

                               ***

صناعة الفقر في العالم المتخلف.. لا تحتكرها الاقتصاديات المتطورة.. عبر أذرعها التجارية والمالية المحلية والدولية فقط.. بل تساهم فيها أيضا - وبنية مبيتة ـ أنظمة الحكم المتسلطة.. إذ تعمد إلى أبسط وسيلة لتجذير وتعميم الفقر.. وهي تخفيض قيمة العملة المحلية.. فقيمة الجنيه المصري ـ على سبيل المثال ـ التي كانت توازي سدس قيمة الدولار.. انهارت إلى 5 في المائة تقريبا من قيمته.. ولنا أن نتصور طوفان الفقر الذي سيغرق المصريين.. ولا نبتعد كثيرا عن الواقع الاقتصادي عندنا.. فالدينار الذي فقد الكثير من قيمته السوقية.. ينبئ عن سنوات عصيبة.. تواجه فئة الفقراء ـ وهي الأغلبية طبعا ـ.. دون أن تتمكن الحكومة ولو لمرة واحدة.. من الوفاء بوعودها الخاصة بحماية القردة الشرائية للمواطنين.

 بين المطرقة والسندان تتسع شريحة الفقراء عالميا ومحليا.. وعلى عكس التوقعات التي تعكسها على الورق.. التصريحات التي تعد بالرخاء العالمي المزعوم.. يتوغل الفقر في ثنايا المجتمع.. لتنمو طحالب تقتات من جيوب الفقراء.. وتمعن في استنزافهم لفائدة أقلية متوحشة وجشعة.. لا تلتفت إلا لمصالحها الخاصة.

 في ضوء ما أفصح عنه التقرير المذكور من قبل.. يحلو لبعض المنظرين الزائفين والمأجورين.. اتهام أوكسفام بأنها بدل "أن تعنى بمكافحة الفقر، تبدو منشغلة على نحو غريب بالأغنياء"... وبتقدير هؤلاء ـ في سياق نصيحة أخوية ـ للمهتمين باستئصال الفقر.. فإن أهم من الحديث عن الفقراء.. هو "التركيز على الإجراءات التي تُشجع النمو الاقتصادي.. حيث يشهد العالم تحسنا كل عام وليس ثروة أغنى الأغنياء".

 هكذا تتشكل صورة الفقر في العالم.. وعلى حواشيها تستأثر أقلية لا روح لها بالثروة والقوة.. ومن ثم بالقرار الذي يكرس الفقر.. بداعي البحث عن أسلم طريقة للنمو.. لا لفائدة الجائعين.. بل لأكثر البطون شرها.

    

مقالات الواجهة

الأكثر قراءة

  1. طقس الخميس.. امطار غزيــرة على هذه الولايات

  2. طقس الأربعاء.. أمـطار على هذه الولايات

  3. الكاف تعلن رسميا خسارة إتحاد العاصمة على البساط أمام نهضة بركان

  4. هذه أبرز مخرجات اجتماع الحكومة

  5. منذ بدء العدوان.. إرتفاع حصيلة شهداء غزة إلى 34305 شهيد

  6. التوقيع على مشروع ضخم بقيمة 3.5 مليار دولار بين وزارة الفلاحة وشركة بلدنا القطرية لإنجاز مشروع متكامل لإنتاج الحليب

  7. حول طلبات التقاعد.. بيان هام من "كاسنــوس"

  8. قسنطينة.. تدشين مصنع لقطع غيار السيارات ووحدة لإنتاج البطاريات

  9. حج 2024.. بيان هام من الديوان الوطني للحج والعمرة

  10. دخول شحنة جديدة من  اللحوم الحمراء المستوردة