أثار المغاربة زوبعة بشأن بقايا هيكل عظمي.. عُثر عليه في الأراضي المغربية ونقل إلى فرنسا.. حيث تطالب وزارة الثقافة المغربية باستردادها.. باعتبار هذه البقايا ثروة وطنية.. لا يجوز التنازل عنها.
حملني هذا الخبر “ الطريف “ إلى حد ما.. على مقارنة الحرص على استرداد هيكل متحجر لديناصور منقرض منذ 60 مليون سنة.. بهذا الإعراض الحكومي من طرف دول شمال إفريقيا عموما.. عن استرداد مواطنيها العالقين في الدول الأوربية.. وبصفة خاصة في ألمانيا.. مفاضلة انتصر فيها حيوان منقرض على إنسان حي يرزق.. له أولاد ووطن على الخارطة وأحلام حملته على الهجرة إلى أي مكان.
زيارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي كانت مقررة للجزائر ثم ألغيت.. ثم زيارتها الأخيرة لمصر ثم تونس.. تضمن جدول أعمالها نقطة واحدة : استعيدوا مواطنيكم.. فألمانيا لا تريدهم.
في مقابل هذا الحرص الألماني.. يلاحظ تلكؤ الدول المعنية في التجاوب مع هذا الطلب.. فلا هي بادرت باستقبال مواطنيها الفارين منها.. ولا هي قبلت بالعرض الألماني الذي يقايض عودة هؤلاء الهاربين بمساعدات مالية.. قد تكون بحاجة ماسة إليها.. ولا هي أعلنت صراحة أنها تستغني عن هؤلاء المواطنين.. ليتسنى لألمانيا التصرف على النحو الذي تراه مناسبا.. فتكدسهم في المعتقلات كأغنام الزريبة.. أو تلقي بهم في البحر.. مادام بشار يبيد السوريين بالكيماوي.. فتتصدى مصر للدفاع عنه في مجلس الأمن!
باختصار.. المواطن العربي أدنى قيمة من هيكل عظمي لحيوان قديم.. والسبب أن هذا المواطن يتوفر منه الكثير.. فهو يملأ المدن والأرياف.. وحاجاته كثيرة.. وفوضاه لا تطاق.. حتى في ألمانيا.. استغل مئات من هؤلاء الهاربين مناسبة “أعياد الميلاد “.. لينشروا الفوضى في الشوارع.. ويعتدوا على النساء.. وينهبوا جيوب المتسوقين.. وأشياء أخرى مقرفة!
هذا زمن عربي انحط فيه كل شيء.. يُختطف مواطن أوروبي.. فيحتشد المجتمع والحكومة كلاهما لاسترداده مهما كان الثمن.. ويُقتل مواطن إيطالي في مصر في ظروف مشبوهة.. فتبادر الحكومة الإيطالية بتجميد تعاملها الاقتصادي والعسكري مع مصر.. مصرة على معرفة الحقيقة.. ومعاقبة الجناة.. فماذا يكون رد الفعل.. لو أن مواطنا من جنوب المتوسط.. أهين أو اعتقل أو قتل أو ترك تعبث به أمواج البحر.. ليموت جوعا وعطشا؟
الحاصل أنه لن يحدث شيء.. مجرد رقم اختفى.. وسيحل محله رقم جديد.. فنحن أكثر الشعوب تناسلا.. أما الديناصورات فنادرة.. وثمنها في المتاحف أضعاف تذكرة سفر مواطن عالق في الهواء.. يعود من ألمانيا إلى الجزائر على سبيل المثال.