توجيه سؤال للحكومة.. غالبا ما ينتهي كأن لم يكن.. لأن الرد سيكون على المقاس.. وسنسمع كلاما ألفناه.. ويأتي النسيان على ما بقي وهذا على غرار سؤال أحد نواب المجلس الشعبي الوطني عن “تحيين المناهج التربوية”.. الموجه لمصالح الوزير الأول ابتداء.. والذي سبقه سؤال من النمط نفسه.. قبل أيام.
بتقديري.. ليس هذا السؤال أكثر من طوق نجاة آخر يرمى لوزيرة التربية التي تسبح في بحر مضطرب من المتاعب والمشكلات.. فقد استقبلت وفدا من جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.. واجتمعت مع نقابات القطاع.. وعقدت ندوة في البرلمان.. وخاطبت الرأي العام.. وفكر بعض أعوانها في تحريك دعوى قضائية ضد أولياء تلاميذ اتهموها بتسييس التربية.. قبل أن تتراجع وتسحب الدعوى.. وهي في هذه المرحلة تحديدا تستميت في الدفاع عن مشروعها.
أما إجابة الوزير الأول ـ التي هي إجابة الوزيرة يقينا ـ .. ففي مضمونها ما يُرد عليه.. فليس من السهل القفز على الحقائق.. لأن ذلك يعني السقوط في فراغ سحيق.
صحيح أنه توجد لجنة وطنية للمناهج.. وصحيح أيضا أن لقاءات ميدانية تخص بعض “فاعلي القطاع” قد عُقدت في إطار استشاري.. أكرر “استشاري” لأن نتائج الاستشارة غير ملزمة للوزيرة.. وصحيح أيضا أن اللجنة قد التقت لجانا برلمانية مختصة.. وأشياء أخرى من هذا القبيل.. لكن غير الصحيح.. أن يقال إن نتيجة هذه الأنشطة بالجملة.. كانت تعبيرا عن انشغالات المجتمع والدولة.. أي متوافقة مع توجهات الرأي العام.. ومتسقة مع مقتضيات هويتنا الوطنية.
في هذا المستوى من الانشغال.. نقول إن الشفافية المطلوبة والتشاور المطلوب.. والموضوعية.. واجتناب الارتياب.. وإبقاء المسألة التربوية في نطاقها العلمي والبيداغوجي ـ كما ورد في إجابة الوزير الأول ـ قد تكون هي الخط الأحمر الذي تجاوزته الوزيرة.. دون أن تضع اعتبارا لردود الفعل التي تلاحقها.
فالوزيرة التي أثارت حفيظة المجتمع أكثر من مرة.. بسبب الحظوة التي تمنحها الفرنسية.. والدعوة لمخاطبة التلاميذ بلغة الأم “الدارجة”.. والأخطاء الفادحة التي اكتنفت مضامين الكتب المطبوعة بصورة تدعو للاستغراب.. والشبهات المثارة بشأن الخبراء الأجانب ودورهم في صياغة المناهج.. وغير هذا من “الشبهات” التي ترقى أحيانا لإدانتها.. هي وحدها المطالبة بتأكيد براءتها.. بمراجعة مواقفها جوهريا.. وليس بالقفز إلى ما وراء الخط الأحمر.