حدثونا عن الجوانب المنسية في المنظومة التربوية

نعود اليوم إلى المنظومة التربوية، لتحقيق عهد، كتبته على نفسها، جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، قديماً وحديثاً..

خفت ـ بين الناس ـ وهيجها، وضعف ـ في العقول ـ أجيحها، وذاب ـ في أعمدة الإعلام ـ ضجيجها، إنها منظومتنا التربوية، ذات الذنب الطويل، والمثيرة للجدل، ومختلف الأقاويل.

حدثونا عن منظومتنا التربوية ـ هذه ـ حتى لا ننساها، فهي سبب أزماتنا المختلفة في مبتداها ومنتهاها، كيف لا، وهي ضامنة مستقبل الأطفال، والمؤتمنة على مصير الأجيال، في الأقوال والأفعال، وعبر كل الأزمنة والآجال.

ونعود اليوم إلى المنظومة التربوية، لتحقيق عهد، كتبته على نفسها، جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، قديماً وحديثاً، هي أنها، ستظل الحارسة الأمينة، للتربية والتعليم، تبينها للناس، فتبرز السلبي فيها، كي بتجنبه ذوو الاختصاص، وتؤكد على الإيجابي كي يكون هو الأساس.

وبعد النقاش الطويل، الذي هز الرأي العام، زمنا طويلاً، وشغل الآباء والأمهات بكرة وأصيلا، التزمت جمعية العلماء، بدراسة المنظومة التربوية الحالية، بكل مكوناتها، وتسليط الضوء على خباياها، وخفاياها، فكونت لجنة وطنية من ذوي التجربة والكفاءة، وأسندت إليها الموضوع، دراسة، وتحليللاً، وقراءة وتأصيلاً. كما أشركت كل المناطق والولايات في إبداء المقترحات والملاحظات. وها هي الآن بصدد وضع آخر اللمسات، لتفي بعهدها إبراء للذمة، وشحذاً للهمة، واستجابة لتساؤلات الأب والأم والأمة.

ونعتقد أن الضرورة قد باتت ملحة، في أن تعقد ندوة وطنية، أو ملتقى، يخصص لمختلف جوانب الضعف، الذي تعانيه العملية التربوية في بلادنا.

يخطئ ـ إذن ـ من يعتقد أن المنظومة التربوية كما يوهم أو يتوهم البعض، بأنها مجرد إصلاح فقرة في كتاب، أو إصلاح امتحان، في وضع سؤال وجواب، إنما المنظومة التربوية، نظام أشمل وأكمل، فهي نظام يستجيب لتطلعات أمتنا، بجميع مكوناتها، وهي تمتد في فضائنا، لتشمل كل الجوانب العلمية، والتربوية والإنسانية فينا، فتعني بالمربي، والطفل، والمسير، والفضاء الزماني والمكاني للمؤسسة المدرسية، لتتكفل بمنظومة السلوك والقيم، وكلها أبعاد، نحن عنها غافلون.

إن إخضاع العملية التربوية للتحليل الموضوعي، الممنهج، الدقيق والعميق، ليفضي بنا إلى جوانب منسية، في منظومتنا، يحاول البعض عن قصد أن يغيبها عن اهتمام عقولنا حتى يسهل تمرير بعض المصطلحات والمفاهيم المظلومة، والمغلوطة، كالإصلاح، والتجديد، والتغيير، والتحديث، واختزال كل هذه المفاهيم في مجرد تقليص أيام امتحان البكالوريا، باسم التقشف، وفتح باب التوظيف باسم التعفف، وإعطاء سكنات هنا وهناك لبعض المدرسين، تحت غطاء التلطف، وما هذا بالإصلاح الذي نريد، ولا بالذي من شأنه أن يقضي على سلبيات التعليم، بالدواء المفيد.

إن جوهر القضايا، في منظومتنا التربوية، يكمن في تردي المستوى العلمي، والتربوي، والأخلاقي، والذي جعل الأبواب مشرعة أمام العنف المادي والمعنوي في مدارسنا، وتفشي ظاهرة المخدرات أمام براءة عقول فلذات أكبادنا، وشيوع التسرب المدرسي في مختلف مدارس أحيائنا.

فإذا أضفنا إلى ذلك كله اختطاف الأطفال وقتلهم، واغتصابهم، وهتك حرمات المدارس، بحيث لا حامي، ولا حارس للمتعلمين والمعلمين منهم، أدركنا لماذا يلجأ الناس إلى الدروس الخصوصية، في البيوت، والمحلات الخاصة، فتحولت الدروس الخصوصية هي البديل عن الدروس الرسمية، مع ما في ذلك من تفش للعيوب، واعتداء على الجيوب، والنأي بالتعليم عن الهدف المطلوب.

يحدث هذا، في غياب وتغييب الكفاءات وذوي الاختصاص من التكفل بالشأن المدرسي، وإسناد أمر الإصلاحات، إلى الراسخين في العلم التربوي، ولذلك ساد هذا الاضطراب الذي صرنا نلمسه في المواد الدراسية، فصرنا نستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير. فالتربية الإسلامية، توشك أن تتحول إلى تربية مدنية، أو ثقافة دينية، أو حضارة إسلامية، والبون شاسع بين هذه المفردات.

ثم تعالوا بنا، إلى ما تشيعه هذه المفردات البيداغوجية من اضطراب لدى نفسية الطفل، فما علاقة الطفل البريء في مقتبل عمره، بمنعه من استعمال اللغة الصحيحة، فتحول بينه وبين مفاتيح قيمنا، مثل بسم الله ـ الحمد لله ـ السلام عليكم ـ أبي ـ أمي، ويحوّل ذلك إلى بابا وماما، وغير ذلك من الألفاظ النشاز، التي لا علاقة لها بتربيتنا وقيمنا العربية الإسلامية؟

ثم ما علاقة الطفل ابن عشر سنوات، بالتناسل والتكاثر، ومفردات الجنس، كالجهاز التناسلي للذكر، والجهاز التناسلي للبنت، ألا يمثل ذلك عدواناً تربوياً على عقول الأطفال؟

ولماذا نقحم الحديث ـ في هذه السن ـ عن الأمراض الجنسية، كالإيدز، والزهري، وغيرهما، أليس ذلك، اقتضاضاً لبراءة عقول أطفالنا؟

والأدهى من ذلك، أن يقدم الدين على أنه عامل حروب، وتمييز عنصري بين الناس وبين الشعوب؟ فأي دين يريدون؟

لذلك نعود فنؤكد على أن في منظومتنا التربوية جوانب مخفية أو منسية، يجب الكشف عنها، وإظهارها للناس، حتى يتجنبها الجميع.

كما ينبغي، أن ننأى بالإصلاحات عن مجرد المهنية في التوظيف، وتوسيعها إلى حملة الرسالة التربوية، العلمية الإنسانية فهم أحق، بالتكفل بهذه الرسالة النبيلة، التي لا يمكن الخطأ فيها، وكل خطإ، من شأنه أن يؤدي إلى انحراف جيل بكامله، وتلك هي لعنة التاريخ التي لا تغفر، ورحم الله أمير الشعراء أحمد شوقي حين يقول:

وإذا المعلم ساء لحظ بصيرة *** جاءت على يده البصائر حولا

وهو ما تحرص عليه جمعية العلماء المسلمين الجزائريين من أجل تجنيب أبنائنا وشعبنا ومنظومتنا من هذا المصير المظلم.

 

 

مقالات الواجهة

الأكثر قراءة

  1. منذ بدء العدوان.. إرتفاع حصيلة شهداء غزة إلى 33970 شهيد

  2. إطلاق خدمة بطاقة الشفاء الإفتراضية.. هذه هي التفاصيل

  3. رياح قوية وزوابع رملية على 5 ولايــات

  4. رهانات قوّية تُواكب مشروع مصنع الحديد والصلب في بشار

  5. انفجارات في أصفهان وتقارير عن هجوم إسرائيلي

  6. رسميا.. مباراة مولودية الجزائر وشباب قسنطينة بدون جمهور

  7. "الله أكبر" .. هكذا احتفل نجم ريال مدريد بفوز فريقه (فيديو)

  8. لليوم الثالث.. موجة الفيضانات والأمطار تجتاح الإمارات

  9. تسقيف هوامش الربح على لحوم الأغنام والأبقار المستوردة

  10. بريجيت ماكرون المعلّمة التي تزوّجت تلميذها.. في مسلسل من 6 حلقات!