يخطئ من يعتقد أن ما فعله السلطان قابوس سابقة خطيرة.. بالمقاييس العربية طبعا.. فهذا شيء توافق تسع وتسعون في المائة من العرب الرسميين على ارتكابه.. كل بطريقه وبحسب وضعه الداخلي.. وهو فعل ينسجم تماما مع سياسات العرب الظاهرة والباطنة.. ولا يشكل بدعا في ذلك.
قبل أن يزور نتانياهو “مسقط”.. وينزل ضيفا على السلطان قابوس.. كان قد تجول في أكثر من عاصمة عربية.. نزل ضيفا على السيسي وتعانقا وتضاحكا وتوافقا على أشياء كثيرة.. ونزل ضيفا على الملك عبد الله الثاني وهذا لا يخفى على أحد.. ومن العرب من نزل ضيفا على نتانياهو.. جاؤوه سرا وجهرا.. وفودا رسمية وجماعات مارقة.. باختصار.. ليست هي الزيارة الأولى ولن تكون الأخيرة.. وقطار التطبيع الذي انطلق مع السادات.. ينتقل مقوده من يد إلى أخرى.. فباب البيت الأبيض يفتح في تل أبيب.. ومفتاحه في يد نتانياهو.. والمارون إلى واشنطن.. عليهم أن يعبروا من هذا الجسر وإلا فلا.
التطبيع سياسة ورياضة واقتصاد وثقافة ولقاءات حميمة.. ومصافحات ورسائل تودد.. وهذا كله معلوم ولا حاجة لإخفائه.. وتأتي صفقة القرن لتؤكد ذلك كله.. فالجميع يهرولون ـ كما قال الشاعر ـ.. وما عاد للعرب قضية مركزية أو حتى هامشية.. فقد انخرطوا في الفعل القبيح منذ عقود.. وهم لا يتوانون عن فعل ما نراه نحن خيانة وجريمة ويرونه هم سياسة وكياسة.
فريق الجمباز الصهيوني نزل ضيفا على الدوحة.. وبتعبير أمر قطر السابق.. فإن ما يفعله بعض العرب سرا نفعله علنا.. والظاهر أن نتانياهو نفسه.. يختار في أغلب الأحيان مد يده تحت الطاولة كي لا يحرج أصدقاءه ومحبيه.. فإذا خرج للعلن فاعلم أنه فعلها في السر أكثر من مرة.. وحان إعلان الزواج بعد كتمه.. أما ما يحرج العرب أن الإعلام الصهيوني هو الذي يفضحهم.. أما نتانياهو فيتولى طبخهم على نار هادئة.. إذ إنه ليس في عجلة من أمره.. ولو أراد أن يلوي رقابهم لفعلها في 24 ساعة.. مادام سيد البيت الأبيض اسمه ترامب.
أتذكر أني قرأت مقالا في مجلة مصرية ـ في السبعينيات ـ عنوانه (وذاب الثلج في جبل السلطان).. كان المقال تعييرا لسلطنة عُمان يومها.. وما هي إلا سنوات معدودات حتى طار السادات إلى الكنيست.. وذاب الثلج في القاهرة.. ومن يومها والثلج يذوب في أغلب العواصم العربية.
