لو كنا ننتج أشياءنا بأنفسنا.. ونبدع ونبتكر على غرار ما يفعل خلق الله الآخرين.. ما كنا بحاجة لإتلاف مليوني قرص مضغوط أو فيلم مقرصن.. وما أتلف ليس إلا قطرة في بحر.. فسوق الدعائم السمعية ـ البصرية في بلادنا.. تكاد تنشط بالجملة خارج نطاق حماية “الملكية الفكرية”.. والجزائر ليست استثناء في هذا.. فإن بلدا ضخما كالصين.. تحتضن أكبرسوق للقرصنة الفكرية في العالم.
الظاهرة إذا عالمية وليست محلية.. ولم تفلح منظمة التجارة العالمية.. في وضع حد لهذه “الجريمة”.. وما أكثـر الجرائم الموصوفة في هذا العالم.. فوجود إسرائيل التي يحميها الغرب “الديمقراطي” جريمة.. وحمل الدول المتخلفة اقتصاديا على إزالة الحواجز الجمركية جريمة.. وإملاءات صندوق النقد الدولي جريمة.. وسياسات الشركات العابرة للقارات جريمة.. ونظام عمل البورصات العالمية جريمة.. واستنزاف البيئة جريمة.. إنه عالم تحكمه وتسيره الجريمة الاقتصادية والسياسية والفكرية.. ولا شيء غير ذلك.
في الجزائر.. يبدو مفهوم الجريمة الفكرية.. غير معروف وغير متداول.. بغض النظر عن النصوص القانونية التي تجرم فعل الاعتداء على الملكية الفكرية.. والحاصل على الأرض أن الناس يسبحون في بحر من السطو والغش.. دون أن تبتل أثوابهم.. بل إنك ستُصدم حين تعلم أن 90 بالمائة من القنوات التلفزيونية عندنا.. تشتغل دون ترخيص قانوني.. بإقرار وزارة الاتصال نفسها.. ونحن نتساءل: من أتاح لهم ذلك؟ وإن كانت مجرد مكاتب فرعية لقنوات أجنبية.. فمن غض الطرف عنها؟
المصيبة أن القرصنة ليست سوى الوجه الواحد من أوجه حجرة النرد الستة.. حيث سوق الغش مزدهرة.. وتنمو باستمرار.. ومن تابع تعليقات القراء على مبادرة الحكومة بإتلاف الأقراص المضغوطة.. يجد أن أغلب هذه التعليقات.. تتناول الغش باعتباره العملة الأكثـر رواجا عندنا.. التي يتم تداولها تحت عناوين سياسية وأخلاقية زائفة.. تمنحها شرعية الأمر الواقع.
بالتزامن.. نلاحظ هذا الاستنفار الذي يكاد يبلغ حد إعلان الحرب.. على ظاهرة الغش في الامتحانات الرسمية.. فقد انتقلت الجرثومة إلى الابتدائي.. بعد أن احتكرها الثانوي ثم المتوسط لاحقا.. وأكاد أجزم أن الوضع سيتفاقم تدريجيا.. وقد يتجاوز إمكانات وزارة التربية مستقبلا.. ليصبح وباء وطنيا.
ما حصل أنهم علموهم الغش.. ورغبوهم فيه.. ثم قالوا لهم “إياكم أن تغشوا”!!
