لا أدري كيف يكون الانقلاب عملا رائعا.. حين يُنحى ويُسجن رئيس منتخب بكل حرية وشفافية.. ويسقط آلاف القتلى.. وتنتهك الحريات ببشاعة وفظاعة.. وتعود المنظومة التي ثار عليها الشعب لتتسلط مرة أخرى؟
هذا ما يراه ترامب ويصرح به بلا تحفظ أو تردد.. وهو يستقبل رئيسا عربيا.. يعرف العالم كل قصته.. وكيف جلس على الكرسي.. وما هو الثمن المدفوع شعبيا وديمقراطيا وإنسانيا من أجل ذلك.. فلا يزيد ترامب شيئا سوى أن يؤكد له.. ”نحن نقف وراءك بكل وضوح”.
تقديري أن ترامب ـ وبكل المعايير ـ رئيس غير سوي.. ثمة لوثة ما في رأسه.. تملي عليه هذه السلوكيات.. وتحفزه على التصرف بشذوذ أحيانا.. بما يجعله أغرب رئيس يحكم أمريكا منذ مائتي عام تقريبا.. ولا غرابة حين يبدي إعجابه بحاكم كوريا الشمالية.. الذي يقتل أقرب الناس إليه لأتفه الأسباب.
في ماضي ترامب يكمن سلوكه الراهن.. رجل أعمال يجمع المال بكل الطرق.. نرجسي.. يحتقر من بجواره.. طالب متع نهم ـ كما وصفه أحدهم ـ.. ينظر إلى العالم من زاوية المصالح المادية.. يقول أي كلام.. يبدي ردود فعل غير محسوبة ولا متوقعة.. فلا غرابة أن يطري أعداء الحرية والديمقراطية!!
ثمة كذبة التبست بتصريح ترامب الأنف الذكر.. حين قال لهذا الرئيس..”ونقف أيضا وراء شعبكم”.. إذ لا يمكن أن تكون مع الشعب وضده في آن واحد.. فإما أن تكون ظهيرا للضحية وتدافع عنها.. وإما أن تجلس بجوار الجاني وتهمس في أذنه.. أنا معك.. واصل مسيرتك وأنا أدعمك.
وبمزيد من الدعوة إلى تأجيج القمع والتنكيل بالمعارضين.. يطمئنه ”لديكم، مع الولايات المتحدة ومعي شخصيا، صديق كبير وحليف كبير”.. والمعنى واضح.. أنت رائع بمقدار ما تبدي من عنف تجاه الآخرين.. وبمقدار ما تقترب من إسرائيل وما تمنحها من دعم وأمن.
تبدو القصة بمعيار ترامب جديدة.. لكنها في الواقع قديمة.. وترتد إلى أيام سلف هذا الرئيس العربي.. الذي وضع رجله في حذاء من صنع أمريكي.. ومنذ ذلك الحين والخطوات أمريكية.. والقرار أمريكي.. والرغبة أمريكية.. ولم يبق للشعب المغلوب على أمره سوى أن يعيد تقييم تاريخه.. فالمستقبل ينبع من هذا التاريخ.
