نحن وفرنسا.. معادلة صراع

تبدو حربنا مع الفرنسيين أبدية.. فهي لا تخبو حتى تشتعل..

تبدو حربنا مع الفرنسيين أبدية.. فهي لا تخبو حتى تشتعل.. ولا تنتهي حتى تبدأ.. لقد وضعنا قدرُنا التاريخي والجغرافي في سياق مواجهة مستمرة ضد هذا العدوالخبيث.. كما وضعنا أنفسنا في خانة صراع نبدوفيه كطرف لا يريد أن ينتصر.. وهي مفارقة عجيبة بحاجة إلى تفسير.. وتقتضي قراءة تخترق سطح الأحداث.. فخلف التاريخ وتحت صفحة الواقع.. تتفاعل أحداث.. نعتقد أنها ترسم مصيرنا دون أن نهتم لها.. أو على الأقل.. دون أن تثير فينا رغبة السؤال عن هذا الذي يقع.

فبماذا نفسر التكالب الفرنسي الراهن؟ وكيف أفلح الطابور الخامس في إدارة معركته من الداخل دون أن يثير رد فعل وطني حقيقي.. قوي وغاضب؟

نسجل ثلاثة مواقف فرنسية متناغمة تماما.. تُبرز في مجملها مدى النظرة التحقيرية التي تتناول بها فرنسا الرسمية الشأن الجزائري.. فلم نكد نتخلص من الوقع المؤلم لنذالة الوزير الأول الفرنسي"مانويل فالس".. الذي خرق كل الأعراف الدبلوماسية.. وأظهر على حسابه في تويتر صورة مسيئة لمشاعر الجزائريين حتى النخاع.. حتى فاجأنا الرئيس الفرنسي "فرانسوا هولاند" بقوله "أريد أن يعتز الفرنسيون ببلادهم ويرفعون صوتهم بالقول أن لنا تاريخ كبير هو8 ماي".. وهذا النكء لجرح لا يزال حيا وآثاره بادية.. يمثل حدا من الوقاحة قل نظيرها.. فهو لا يضع اعتبارا لخمسة وأربعين ألف شهيد سقطوا في يوم واحد.. وبالقدر نفسه يتجاوز طلب الجزائر أن تعتذر فرنسا عن جرائمها.. على غرار ما فعلت دول كبرى كاليابان وإيطاليا.. امتلكت الشجاعة الأدبية والسياسية.. وأقرت بخطاياها الاستعمارية.

ثم يقذفنا "ساركوزي" الرئيس الفرنسي السابق.. الذي احتضناه في زيارة دولة في 2007.. بتصريحات مستفزة.. داعما المغرب ـ الذي يحتل أرضا ليست له ـ مدعيا أنه "من غير المقبول إقامة دويلة صغيرة جنوب المغرب".. وساركوزي هذا.. هو من تأسف أن يكون لتونس جار سيئ كالجزائر.. يعني بلدا مصدرا للإرهاب.

 تتزامن هذه البذاءة السياسية.. بتكالب إعلامي غير مسبوق.. يطعن الجزائريين في صميم كرامتهم.. حيث تبث قنوات تلفزيونية وحتى إذاعية فرنسية.. وصلات ساخرة.. قد يكون من أسوئها ما بثته الفضائية الفرنسية لـ "وبتي جورنال".. مشفوعا بتعليق ساخر.. "انظروا إلى فالس مع من يتحدث".. كما تتولى صحف فرنسية التشهير بالسلطات الجزائرية.. ومن ذلك إقحام اسم رئيس الجمهورية في أوراق بنما!

 في مستوى آخر من الإساءة.. يتحول السفير الفرنسي في الجزائر.. إلى متحدث باسم منطقة القبائل.. التي وصفها بالمنطقة "التي نقيم معها علاقات جد تعاون في الميدان الثقافي واللغة الفرنسية".. وهنا لا ندري إن كان يتحدث عن دولة قائمة بذاتها.. أم مجرد إقليم تسري عليه أحكام الدستور الجزائري!

***

 هذا التعدي الفاضح.. هل هو مجرد رد فعل على حجب تأشيرة دخول الجزائر عن صحفيين فرنسيين؟ أم هو امتعاض من حرمان الفرنسيين من صفقات وعقود شتى؟ أم لأسباب خفية لا نعلمها؟

 بتقديري.. لن يكون للتأشيرة كل هذا التأثير على مزاج الفرنسيين.. ليفكروا في الانتقام منا على هذا النحو الممجوج.. فالحكومة الفرنسية تضع مصالحها الخاصة فوق كل اعتبار.. وغير مفهوم كيف تنخرط بالصمت ـ لنضع فكرة حرية التعبير جانبا ـ على ما يمكن أن يشكل خطرا على مصالحها الظاهرة والخفية.. أما عن حرمان الفرنسيين من كعكة المشاريع.. فلا شك أن إبرام 36 اتفاقا في مختلف القطاعات والأنشطة.. في خلفية زيارة فالس.. يعد كسبا استثنائيا لم تحظ بها الشركات الفرنسية من قبل.

في المقابل.. نسجل الرد الرسمي الخجول للحكومة الجزائرية على الإهانات الفرنسية المتكررة.. فلم نسمع أن رئيس الحكومة أو مصالح رئاسة الجمهورية.. قد أشهروا في وجه الفرنسيين موقفا جادا وحازما.. باستثناء تصريح رئيس مجلس الأمة في سياق رده على السيد هولاند.. حيث دعا إلى تأسيس مستقبل العلاقات بين البلدين "على أرضية صحيحة وصلبة خالية من التجاويف التحتية".. وإن لم يوضح ماهية هذه التجاويف!

وبالقدر نفسه.. صمتت بعض الظواهر الصوتية عندنا.. تلك التي صمنا ضجيجها في الصراعات الداخلية.. فلا أويحيى ولا سعداني مدا لسانيهما بأي سوء ـ على الأقل من باب المعاملة بالمثل ـ إلى الفرنسيين.. وحتى ما كان يوحي بأنه ردود أفعال تحذيرية.. لم يتجاوز حد الفقاعات.. التي انفجرت في الهواء وتلاشت بسرعة.. وهي تذكرنا في مجملها بتحذيرات بشار الأسد لإسرائيل.. عندما تصفعه على قفاه.. فيرد بحفظ حق الرد في المكان والزمان المناسبين!!

بل إن سلبية الرأي العام الوطني.. تزيد في قتامة المشهد.. وتدعونا للتفكير بجد في جسامة الانهيار الذي اعترى منظومتنا السياسية والأخلاقية.

 في الطرف الآخر من معادلة الصراع .. يمارس طابور الداخل أو اللوبي الفرانكفوني ـ كما يصفه البعض ـ وظيفته بأناة وهدوء.. فهو ماض في تنفيذ أجندته الخاصة بترسيم الردة اللغوية والثقافية والنفسية.. وترسيخ التبعية الاقتصادية للشركات والمؤسسات المالية الفرنسية.. مع كل ما يصحب ذلك من إزراء سياسي يقع عبئه الثقيل على الجزائر برمتها.. كما يجتهد في احتواء الارتدادات المتخلفة عن عنجهية الفرنسيين.. بما يبقي الدولة الجزائرية من قبضة الفرنسيين .. وهو مخلص لسيده وجاد في ما يفعل.. لقد تحول هذا الطابور الخبيث.. إلى شوكة مسمومة اخترقت جسم الجزائر.. وحقنته بمواد مخدرة.. أبقته مشلولا.. وخاليا من أي ردات فعل مهما بدت بسيطة.

  أما النتيجة فهي: ماذا فعلنا كي نفضح هذا الطابور.. ونكبح جماحه؟ وهل نستشعر خطر هذا التكالب؟ وهل تملك الحكومة أو من يقوم مقامها أن تنتفض نيابة عن الجزائريين في وجه من يحلم بجزائر فرنسية؟

مقالات الواجهة

الأكثر قراءة

  1. منذ بدء العدوان.. إرتفاع حصيلة شهداء غزة إلى 33970 شهيد

  2. إطلاق خدمة بطاقة الشفاء الإفتراضية.. هذه هي التفاصيل

  3. رهانات قوّية تُواكب مشروع مصنع الحديد والصلب في بشار

  4. رسميا.. مباراة مولودية الجزائر وشباب قسنطينة بدون جمهور

  5. "الله أكبر" .. هكذا احتفل نجم ريال مدريد بفوز فريقه (فيديو)

  6. لليوم الثالث.. موجة الفيضانات والأمطار تجتاح الإمارات

  7. تسقيف هوامش الربح على لحوم الأغنام والأبقار المستوردة

  8. بريجيت ماكرون المعلّمة التي تزوّجت تلميذها.. في مسلسل من 6 حلقات!

  9. بعد أسابيع من الغلاء .. مهنيون يؤكدون تراجع أسعار البطاطا بأسواق الجملة

  10. رسميا .. التصويت في مجلس الأمن على مشروع قرار الجزائر مساء اليوم