يا نوفمبر..!

حيّي ـ فينا ـ يا نوفمبر الأشم، الثُلّة القليلة المتميزة، من الجزائريين، التي لا تزال، بالرغم من تعاقب العصور، وتقلب الأمور، تلهج بذكرك، وتؤمن بفكرك، وتعلي ـ في الورى ـ من قدرك.

حيّي ـ فينا ـ يا نوفمبر الأشم، الثُلّة القليلة المتميزة، من الجزائريين، التي لا تزال، بالرغم من تعاقب العصور، وتقلب الأمور، تلهج بذكرك، وتؤمن بفكرك، وتعلي ـ في الورى ـ من قدرك.

عُدْ ـ يا سيّد الشهورـ إلينا، فناج النبلاء الأصلاء، ممن آمنوا بجهادك، وانخرطوا في صفوة عبادك، وضحوا في سبيل تخليد قيم استشهادك، والنهوض برايات مواطن بلادك.

لقد مسنا الضر، يا شهر الجهاد، من أدعياء الجهاد، هؤلاء الذين ركبوك، وما عرفوك، وخذلوك بعد أن استغلوك، وحققوا المكاسب، والنباشين، ثم نأوا عن قيمك، ونبذوك.

اليوم فقط، ندرك، ويدرك شهداء نوفمبر، أن الفرق شاسع، بين من اكتوى بنارك في جحيمك، وعاش معاناتك فوق أديمك، وتحمل كل أنواع الأذى، في سبيل تثبيتك، وترسيمك، وبين أدعياء الجهاد، ممن جاهدوا بالوكالة، وتابعوا المعركة، بالعنعنة دون علم أو أصالة.

إذا اشتبكت دموع في خدود تبين، من بكى ممن تباكى

انقلبت الموازين ـ في وطن نوفمبر ـ فالذين لم يعرفوا الجهاد، ولم يعايشوا، فصوله، وأصوله، نصبوا أنفسهم ـ مجاهدين كبارا ـ وما أولئك بالمؤمنين، فلم يكتفوا بالسحت الذي أكلوه، ولا بالزور الذي ارتكبوه، بل وامتدت ألسنتهم بالسوء، للثوار الأحرار، من سكان الدار، الذين يشهد لهم القاسي والداني من الوطنيين الأبرار.

إن في وطني، مسرحيات، ذات مشاهد وفصول، فيها الملهاة، وفيها المأساة، وكلها تكشف، عن بؤس المعاناة. فقد سقطت الهمة، وانعدمت الذمة، واختلطت القاعدة بالقمة، وويل لما تعانيه من كل هؤلاء هذه الأمة.

فثقافة نوفمبر التي نشأنا بين أحضانها، وتغذينا بلبانها، واكتوينا بنيرانها، علمتنا أن الجهاد التزام وثبات، ووفاء ومعاناة، وعمل دؤوب دون مواربة أو موالاة، ولكننا نُفاجأ، اليوم "بالثقافة النوفمبرية الطايوانية"، التي نأت بنوفمبر عن مبتغاه، وامتدت إلى نهره، فحولت مجراه، وأفرغته من أحجاره الكريمة، ولوثت منبعه ومصبه وشطآنه، فيا لله مما نلقاه..!

لقد بلغ جيل أبناء نوفمبر من الكبر عتيا، فتكلست عظامهم، وقصرت أعمارهم، واحدودبت ظهورهم، وابيضت ـ من الحزن ـ عيونهم، فخلف من بعدهم خلف، أضاعوا المبادئ الصالحات، وأشاعوا الفواحش والمنكرات، وأدخلوا في الأرض كل أنواع المفسدات، وكل ذلك في غفلة من المؤمنين، ودون وعي من المجاهدين، وبتدليس من المذبذبين.

والحقيقة أن ستين سنة في عمر الشعوب ليست بالكثيرة، فهي تدخل في سن الإنتاج والعطاء.. والبذل والنماء.. طالما عمرت هذه السنون بالخير والهناء، ولم يكدر صفوها، الغول أو العنقاء.

فقد حبانا الله ـ بفضل جهاد نوفمبر ـ وطنا جميلا، ولكننا شوهناه، وأديما أثيلا، ولكننا ضيعناه، ومناخا عليلا، ولكننا لوثناه.

كان نوفمبر، بالنسبة لنا، نحن الذين اهتدينا بهداه، كان عصر الصحابة، والطهارة، والصفاء.. عشنا فيه كالملائكة، ترفرف الأمانة على رؤوسنا، وتسكن العفة في عقولنا، ويعشش الإخلاص في قلوبنا، فما كان فينا أثر لخيانة، ولا منا، من يأتي في سلوكه بمهانة أو نتانة.

واليوم ونحن نحتفل بالستينية لاندلاع جهاد نوفمبر المجيد، نلتفت حولنا لنتصفح ما حولنا، فماذا نرى؟ وماذا نريد؟

هوة سحيقة، بين البلاد والعباد.. فالبلد النقي الطاهر الجميل، سطى عليه من العباد الدعى والدخيل، وتعالى فيه البكاء والعويل. فمن اختطاف للأطفال البرءاء الآمنين، ومن اغتصاب للحرائر، والأحرار المسالمين، ومن نهب لأموال الضرائبيين المستضعفين، وهكذا، تحول صفونا إلى كدر، وما لنا إلى هدر، وملائكتنا إلى وحوش بشر.

فبأي وجه نلقاك ـ اليوم ـ يا نوفمبر، وقد اسود الواقع في عيوننا، واحلولك الظلام في وجوهنا، واستبد اليأس بعقولنا وقلوبنا؟

كيف نبرر، ما آل إليه أمرنا في هذا البلاد؟ وكيف تحول واقعنا إلى شدة وعسرة، بعد يسر ورخاء؟

ماذا دهانا، حتى اظلم نهارنا، وتعمق عارنا، وغاب من المسرح خيارنا، وتمكن فيه شرارنا؟

لقد تم كل ذلك، عندما غيّبنا قيم جهاد نوفمبر من تعليمنا، وتكويننا، وإعلامنا، وإسلامنا. وعندما انزوى المجاهدون الحقيقيون من الساحة، واستولى على المشهد، المزيفون، الدخلاء على الجهاد والوطنية، بكل صفاقة ووقاحة.

فهل نستسلم ـ يا نوفمبر ـ للغزاة الوافدين؟ ونرفع الراية البيضاء أمام الانتهازيين، ممن أصبغوا على أنفسهم صفات كبار المجاهدين، وكبار الوطنيين، وكبار المناضلين؟

معاذ الله! فما كان للظلام أن يخفي وجه القمر، عندما يسطع مهما اشتد هذا الظلام. وما كان للسحاب أن يُغيّب إلى الأبد، وجه الشمس من السماء وقت الصحو الجميل، والنسيم العليل.

سوف يظل، المؤمنون بقيم جهاد نوفمبر والملتزمين بمبادئه وأحكامه، هم الفئة القوية ـ بإذن الله ـ مهما قل عددهم، وتآمر على عهدهم وجهدهم المتآمرون، والمناورون، والمزيفون.

فإن النوفمبريين الأصلاء هم الحق،وما عداهم هو الزيف، والباطل، والغثاء "فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ" (سورة الرعد، الآية 17).

 

مقالات الواجهة

الأكثر قراءة

  1. تحسباً لعيد الفطر.. بريد الجزائر يصدر بيـانا هاما

  2. دولة عربية تتجه لحجب "تيك توك"

  3. هذه حالة الطقس لنهار اليوم الخميس

  4. الإصابة تنهي موسم "رامي بن سبعيني" مع دورتموند

  5. منذ بدء العدوان.. إرتفاع حصيلة شهداء غزة إلى 32552 شهيد

  6. القرض الشعبي الجزائري يطلق قرضًا لفائدة الحجاج

  7. بيان من وزارة الخارجية حول مسابقة التوظيف

  8. الفريق أول السعيد شنقريحة في زيارة عمل وتفتيش إلى قيادة الدرك الوطني

  9. "SNTF".. برمجة رحلات ليلية على خطوط ضاحية الجزائر

  10. الفنانة سمية الخشاب تقاضي رامز جلال.. ما القصة؟