من يقرأ عن تخفيض أجور المديرين التنفيذيين لشركة ”آبل” العملاقة.. بسبب تراجع رقم أعمالها السنوي.. سيظن أن الشركة بصدد الإفلاس.. أو أنها قد فقدت خمسين في المائة ـ على سبيل التقدير ـ من مبيعاتها السنوية.. والحقيقة غير ذلك.. فالشركة التي وضعت هدفا لنفسها في 2016.. هو بلوغ رقم أعمال 223.6 مليار دولار.. قد أنجزت منه 215.6 مليار دولار.. ما يعني خسارة 3.7٪ من رقم الأعمال المستهدف.. وهو ما دعاها.. لاقتطاع ملايين الدولارات من أجور مسيريها الكبار.
هذه الشركة.. نموذج للأفكار التي تبدع الثروة.. وتحسن إدارتها.. بأدنى كلفة ممكنة.. وبأقل عدد ممكن من الموظفين.. وهي مثال للاحتذاء.. صحيح أننا لا نملك التكنولوجيا التي تحوزها هذه الشركة العملاقة المصنعة للإلكترونيات.. لكن هل نفتقر في الجزائر للعقول التي يمكن أن تبدع وتبتكر.. ليس شرطا لتضعنا في المقدمة.. بل ـ على الأقل ـ لتسحبنا من المؤخرة.. التي نتشبث بها منذ عقود.
ندرك الآن أن الثروة لا تكمن في المناجم وآبار النفط والغاز.. ولا في الريع الذي يحثنا على استهداف الكسب السهل.. لنكتشف بعد فوات الأوان أننا كنا نستهلك ثروة محدودة وناضبة.. وأننا سنمد أيدينا للقروض الأجنبية.. لنسقط في الفخ مرة أخرى.. بعد أن تخلصنا منه.. بسداد آخر سنتيم من هذه القروض قبل سنوات.
ما الذي يمنعنا من أن نكون كذلك؟
لسنا أمريكا ولن نكون.. لكن بم تتفوق علينا دويلة صغيرة مثل فنلندا.. التي تمتلك شركة نوكيا العملاقة.. التي لا تقل سطوة عن آبل.. بل قد تتفوق عليها؟
بتعداد سكاني لا يتجاوز 6 ملايين نسمة.. تتصدر فنلندا ”باستمرار المقارنات الدولية في الأداء الوطني”.. فهي أفضل بلد في العالم.. وتاريخ التصنيع لديها ليس قديما.. ربما بدأته في الخمسينات من القرض الماضي.. ورغم هذا تمتلك شركة تتفوق على أكثر من دولة.
نحن أنفقنا 800 مليار دولار في أقل من 15 سنة.. فما كان العائد منها.. أعني العائد الذي يصنع ثروة متجددة؟ تقريبا.. لا شيء.. فمئات المليارات استنزفها الاستيراد الباذخ.. والاستيراد من أجل الاستهلاك.. وليس من أجل تطوير منظومة إنتاج وطني.. تتيح للمؤسسات أن تتفوق وللمبدعين أن يوقعوا حضورهم.. لقد جفت عقولنا.. فمن أين لها أن تعبر الحدود؟
