الجماجم المنفية

في متحف التاريخ الطبيعي ـ قسم الإنسان ـ في باريس.. ترقد جماجم بعض قادة المقاومة الجزائرية في القرن التاسع عشر..

في متحف التاريخ الطبيعي ـ قسم الإنسان ـ في باريس.. ترقد جماجم بعض قادة المقاومة الجزائرية في القرن التاسع عشر.. من أمثال ”الشريف بوبغلة، عيسى الحمادي، الشيخ بوزيان، سي موسى الدرقاوي..”.. إلى جانب 18 ألف جمجمة أخرى يكتظ بها القسم.. أحضرت كلها من أقاليم ما وراء البحار.. سواء الجماجم التي جزت من أجسادها.. وأرسلت إلى فرنسا للتباهي بالنصر على الخصوم.. أو التي تم الحصول عليها من خلال عمليات التنقيب.. على غرار مستحاثة الإنسان العاتري ـ نسبة إلى بئر العاتر قرب مدينة تبسه.. والتي نقلت إلى فرنسا بغرض الدراسة.

ظلت جماجم أولئك القادة مخفية في المتحف.. إلى أن اكتشفها باحث جزائري في 2011.. لتكون تلك بداية القصة.. التي يبدو أنها تقترب من نهايتها.. فقد وافق الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون على إعادتها إلى الجزائر.. وقال ”لقد وافقت على طلب عبرت عنه السلطات العمومية الجزائرية عدة مرات بشأن إعادة جماجم المقاومين الجزائريين، واتخذت قرارا بالشروع في هذه العملية”.  

أسئلة كثيرة ستظل عالقة بخصوص هذه الجماجم.. ولعل أهمها: كم جمجمة جزائرية يحتفظ بها المتحف؟ ولأي غرض تستعمل.. خاصة إذا علمنا أن من مهام قسم الإنسان في المتحف إجراء دراسات أنثروبولوجية.. حيث ينتقل الجزائري.. من مشروع للإبادة والتصفية.. إلى مادة للدراسة والمقارنة؟

يقينا أن آلافا من الجماجم التي يحتفظ بها المتحف.. ولا يُعرف أصحابها.. تعود لجزائريين مقاومين انتقم منهم المستعمر بأبشع طريقة.. فبعد أن قتلهم.. قطع رؤوسهم وأرسلها إلى فرنسا.. حيث تكشف الصور الملتقطة لتلك البشاعات عن مشاهد مروعة للتمثيل بالجثث والرؤوس.. ليعبر هذا الفعل البشع هو نوع الحضارة التي يعتز بها قطاع من الفرنسيين.. ومن أجلها يمجدون مآثر أسلافهم القتلة.

الفرنسيون نهبوا الكثير منا.. لم يمتنع عنهم شيء.. ليس الجماجم فقط.. بل هربوا كل شيء ذي قيمة تقريبا.. الآثار والأرشيف.. ونفوا البشر إلى كاليدونيا وكيان.. ممن لا يزال أحفادهم أحياء في تلك الأصقاع النائية.. لقد جردونا من تاريخينا المادي.. ليوحوا للعالم بأننا بلا وجود سابق وبلا حضارة أو ثقافة.. وبالتوازي مع هذا التخريب المنظم لمعالمنا المادية .. سعوا في تخريبنا معنويا.. بمسخ شخصيتنا الوطنية.. وتجريدينا من لغتنا.. والتضييق على ديننا.. حتى الأسماء لحقها التشويه.. تشهد على ذلك الألقاب التي ابتكروها ليتسنى لهم تفكيك عرى القبائل.

اليوم ستعود جماجم أولئك القادة المجاهدين.. لتنام بسلام في تراب نافحت عنه بشراسة وإيمان.. لكن كم جزائريا يظل منفيا في اللغة والتاريخ والجغرافيا؟ ليبقى المهم في هذه المرحلة.. إعادة هذه الجماجم.. وللقصة بقية.

 

 

مقالات الواجهة

الأكثر قراءة

  1. رياح قوية وزوابع رملية على 5 ولايــات

  2. انفجارات في أصفهان وتقارير عن هجوم إسرائيلي

  3. وفاة الفنان المصري القدير صلاح السعدني

  4. بلعريبي يتفقد مشروع مقر وزارة السكن الجديد

  5. إيران تعلن استئناف الرحلات الجوية بعد هجوم بمسيرات

  6. وكالة “إرنا” الإيرانية: المنشآت النووية في أصفهان تتمتع بأمن تام

  7. منظمة التعاون الإسلامي تعرب عن أسفها لفشل مجلس الأمن في تمرير مشروع قرار متعلق بانضمام دولة فلسطين إلى الأمم المتحدة