فرنسا.. دولة من العالم الثالث

حيث حقوق الإنسان هي آخر ما يمكن التفكير فيه أواحترامه..

الطريقة التي تتعامل بها الحكومة الفرنسية مع احتجاجات ”السترات الصفراء”.. كشفت إلى أي مدى يمكن لدولة بحجم فرنسا.. أن تتحول إلى شكل باهت لدولة من العالم الثالث.. ولا تتوانى عن الدوس على قيمها التي تتشدق بها.. فتلقي القبض على زعماء الاحتجاج بتهمة حيازة السلاح.. وتواجه المتظاهرين بقنابل الغاز والهراوات.. ويسقط جرحى ومصابون.. وتحترق أملاك عامة وخاصة.. ويغرد ماكرون (مرة أخرى، عدوان سافر يأتي ليهاجم الجمهورية وممثليها ورموزها)!

 لوحدث ذلك في العالم الثالث.. لكان الأمر طبيعيا جدا.. حيث حقوق الإنسان هي آخر ما يمكن التفكير فيه أواحترامه.. فالرصاص الحي هوالسيد.. والزج بالمحتجين في السجون وقمعهم ومحاكمتهم صوريا ومعاقبتهم بأحكام قاسية.. بعض ما يميز المشهد العنيف لأنظمة حكم لم تدرك بعد أن الدولة للشعب وليست ضده أو عليه. ما يجري في فرنسا.. يوحي باستشراء فساد ما.. ونظام الحكم الذي يطالب المحتجون بتغييره يشير إلى عجز متفاقم عن إدارة الشأن العام.. والذي لم يعد خافيا.. وإن الطبقة السياسية فقدت مصداقيتها.. وتحولت إلى مصاص دماء باسم الشعب وبعنوان القانون وقيم الجمهورية. المحتجون يرون أن ماكرون ليس سوى اللافتة التي تتقدم قافلة سياسيين فاسدين..

استغلوا النظام التمثيلي ليفعلوا ما يحلولهم.. ولكنهم أعجز عن الاستجابة لحاجات الجمهور.. ويقدرون أن ماكرون رئيس للأغنياء فقط.. أما الكادحون والمعدمون فلا رئيس لهم.. وعندما استجاب ماكرون ـ تحت الضغط ـ لبعض مطالبهم.. وسعى في شراء صمتهم وحثهم للعودة إلى زريبة الخنوع.. لم يفعل أكثر مما يفعله أي حاكم في العالم الثالث.. غير أن ”السترات الصفراء” أدركت أن ”الفتات” المقدم لهم.. لا يُصلح حال الجمهورية.. لأن الخلل يكمن في النظام نفسه وليس في نتائجه.  هل يملك الفرنسيون إصلاح ما أفسده سياسيوهم؟ قد يحدث ذلك..

وفي المقابل قد تتمكن الآلة الجبارة للحكومة والرئيس وظهيرُهما من كبح هذا الطموح واحتواء حركة المحتجين ولو إلى حين.. وكما وقع في 1968 حيث اضطر الجنرال ديغول للاستسلام تحت وقع مظاهرات الشباب والطلبة.. فإن ماكرون الأقل خبرة والأضعف بصيرة سياسية.. قد يغرق في مستنقع سلوكه غير السوي.. حين يصف هو ـ أو من يتحدث باسمه في الرئاسة ـ المحتجين بالحثالات ومثيري الشغب وأعداء الجمهورية.. ومن يدري فقد يتهمهم غدا بأنهم مجرد بيادق تحركهم أياد خفية.. أي أن فرنسا تتعرض لمؤامرة خارجية.. وهذا عين ما قاله البشير في السودان.. وقاله ويقوله كل حاكم لا يؤمن بوجود شعب إلا على الورق.

 

 

مقالات الواجهة

الأكثر قراءة

  1. رياح قوية وزوابع رملية على 5 ولايــات

  2. انفجارات في أصفهان وتقارير عن هجوم إسرائيلي

  3. وفاة الفنان المصري القدير صلاح السعدني

  4. بلعريبي يتفقد مشروع مقر وزارة السكن الجديد

  5. إيران تعلن استئناف الرحلات الجوية بعد هجوم بمسيرات

  6. وكالة “إرنا” الإيرانية: المنشآت النووية في أصفهان تتمتع بأمن تام

  7. منظمة التعاون الإسلامي تعرب عن أسفها لفشل مجلس الأمن في تمرير مشروع قرار متعلق بانضمام دولة فلسطين إلى الأمم المتحدة