ما يثار بشأن تلقيح تلاميذ المدارس.. من الابتدائي إلى الثانوي.. وما يتداعى عن ذلك من مواقف واتهامات وردود.. تفتقر أحيانا للمنطق.. يجرنا مرة أخرى إلى مربع الملابسات.. أي الأشياء التي تفتقر للوضوح.. والصدمات التي تبادر بها الحكومة أحيانا.. كلما تعلق الأمر بالشأن العام.
تبدو المدرسة بمثابة المكان المفضل لإثارة الامتعاض وبث البلبلة.. وزيادة منسوب الاحتجاج.. حيث تأتي الأشياء بسرعة وبغير سابق إعلان.. ليكتنفها الغموض.. وتتحول بسرعة إلى قضية وطنية.. تتراوح بين اتهام الوزارة.. وفي أحسن الظروف تبرئتها مع وقف التنفيذ.
كان يمكن إطلاق حملة تحسيسية مسبقة.. موجهة للرأي العام.. بخصوص هذه الأوبئة.. منها الألماني وغير الألماني.. وما يجب بشأنها.. ودور العائلات في توخي مبدأ الوقاية.. حتى إذا شرعت الوزارة في عملية التلقيح.. ارتفع اللبس.. كانت الصورة واضحة.. والأولياء على بينة.. وتفادينا حرب الاتهامات.
تُذكرني هذه القضية بقضايا مماثلة.. على غرار المكمل الغذائي “رحمة ربي”.. الذي تركوه ينتشر في السوق.. حتى إذا تهافت الناس على شرائه.. واجهوه بحملة مضادة استهدفت صاحبه.. وتبرأت وزارة الصحة منه.. وقال وزير الصحة كلاما لا يقنع أحدا.. أو قضية أنفلونزا الطيور التي بثت الرعب في النفوس.. قبل أن تتكشف الأمور عن “لا شيء”.. سوى ملايين الدولارات رميت في مكب النفايات ـ بعد التخلص من اللقاح المشترى بالعملة الصعبة ـ!
اليوم.. تتكرر المأساة بالنمط ذاته.. وكأننا بحاجة إلى مزيد من الإثارة والإشاعات.. التي فشلت وزارة التربية في التعاطي معها.. فما إن يتخلص القطاع من أزمة.. حتى ينخرط في أخرى.. والمصيبة أن الوزيرة نفسها ـ لا أدري لأي سبب ـ تساهم بمواقفها في إذكاء هذه الفتن.. لتجد نفسها عالقة بين فكي التنين.. تصرخ ولا منقذ لها.
في الجزائر.. نحن بحاجة ماسة إلى الشفافية.. فكثير من الغرف المظلمة يجب أن تُغلق وتُطرد الأشباح الكامنة فيها.. ومخاطبو الرأي العام يجب أن يتعلموا الكلام بلكنة سليمة.. وأن يكفوا عن الخوض في المسائل التي تفوق عقولهم.. وأن ينتبهوا إلى زلات اللسان التي تقتل أصحابها.. وهذه القرارات العبيطة التي تفتح الباب لدخول العفاريت والمردة.
نحن بحاجة إلى عقلاء.. يجددون الثقة بين الحكومة والرأي العام.. وهذا أفضل ما في موضوع اللقاح.
