شبهة الربا تُبقي آلاف الملايير في السوق السوداء

الحكومة مترددة في اعتماد الصيرفة الإسلامية

مخاوف من انهيار النظام البنكي الكلاسيكي يعرقل التطبيق

البلاد - امال ياحي - يتساءل الكثير من الجزائريين عن سر تأخر الحكومة في إطلاق المعاملات البنكية الاسلامية، رغم توفر الإطار القانوني الخاص بها منذ أشهر، في وقت يتوقع الخبراء الإفراج الرسمي عن هذه الخدمات في غضون السنة القادمة 2019، غير أن فعاليتها في الميدان تبقى مرهونة بمدى قدرة البنوك على إقناع المواطن باستثمار أمواله وفق الصيغ الإسلامية المعتمدة ونجاحها في تبديد شكوكه حول ”شبهة الربا” التي تسببت في بقاء آلاف الملايير في السوق الموازية.  وفي مقابل جاهزية العديد من البنوك لإطلاق الخدمات المالية الإسلامية والقروض غير الربوية وفق مختلف الصيغ الاسلامية، إضافة إلى إطلاق خدمات ادخارية بمجرد صدور النصوص التنظيمية لبنك الجزائر، إلا أن جمهور المواطنين يجهلون تفاصيل هذه المعاملات ما يحتم على البنوك تنظيم حملات إعلام لشرح خصوصية الصيغ الإسلامية حتى يتسنى لها استقطاب أكبر عدد من الزبائن وفئة ”المترددين” ستكون الاكثر استهدافا باعتبار أنها تمثل النسبة الأكبر من المواطنين متوسطي الدخل الذين يرغبون في استخدام القرض الاستهلاكي من اجل اقتناء حاجيتهم دون دفع فوائد ربوية، لا سيما عندما يتعلق الامر بشراء سيارة أو اثاث منزلي أو مقتنيات اخرى.

8 صيغ إسلامية معتمدة و”غموض” في القانون  

ويحدد التنظيم الجديد المحدد المتعلق بالقواعد المطبقة على المنتجات التساهمية التي لا تفضي إلى قبض أو دفع فوائد هذه المنتجات المتمثلة في المرابحة والمشاركة والمضاربة والإيجارة والاستصناع والسلم، إضافة إلى الإيداع في حسابات الاستثمار. وبعيدا عن أرقام بنك الجزائر وسلسلة الحلول التي لم تثبت نجاعتها إلى حد الساعة في علاج داء الأموال المتداولة خارج القنوات الرسمية، يؤكد ممثلو البنوك ارتفاع الطلب على هذا النوع من المنتجات، على خلفية ارتفاع أصول بنكي ”البركة” و«السلام” وهما البنكان الإسلاميان الوحيدان النشاطان في الجزائر إلى 270 مليار دج و100 مليار دج على التوالي.

وتذهب آراء الفقهاء في هذا المجال إلى التأكيد أن ”الصيرفة الإسلامية في الجزائر تحتاج إلى شيئين مهمين حتى تكون لها انطلاقة صحيحة وهما الإطار القانوني المنظم لها وهيئة شرعية موحدة تكون المرجع، في ظل وجود تنوع أو اختلاف في الفتوى من مذهب إلى آخر ومن دولة إلى أخرى فما هو مباح في دول الخليج والمشرق قد يكون محرماً في المغرب العربي والعكس صحيح. علما أن بعض البنوك الإسلامية تقدم عروضاً بنكية على أنها ”إسلامية” غير ربوية وبهامش ربح معلوم وفي الحقيقة هي عروض ربوية في التفاصيل وبالتالي يجب أن يفصل البنك المركزي الجزائري والمجلس الإسلامي الأعلى في هذه المفاهيم.

والمشكل ـ حسب هؤلاء ـ يبقى في عدم امتلاك البنك المركزي لهيئة مؤهلة لإعطاء رأي شرعي في المنتجات البنكية التي ستقدمها البنوك التقليدية عبر وحداتها الإسلامية وهو ما وقع في السابق مع البنوك الإسلامية المعتمدة التي لم يفصل البنك في تطابق تعاملاتها مع ”الشريعة الإسلامية” إلى يومنا هذا رغم نشاطها لأكثر من 20 عاماً كما هو الحال مع بنك ”البركة”.

وتبقى العقبة الأولى التي تواجه انتشار الصيرفة الإسلامية في الجزائر، غياب الإطار القانوني المنظم لها فقانون ”القرض والنقد” المنظم لعمل ونشاط المصارف لا يحمل أي مواد تتحدث عن الصيرفة الإسلامية بشكل صريح، رغم وجود مصارف إسلامية في الجزائر جلها طرحت منتجات مصرفية إسلامية لم تفصل فيها هيئة دينية رسمية سواء داخل البنك المركزي الجزائري أو خارجه. كما أن الحكومة الحالية ورغم تبنيها للصيرفة الإسلامية في مخططها الذي عرضته على البرلمان في سبتمبر 2017 إلا أنها لا تملك نية صريحة لتنظيم الصيرفة الإسلامية ويستدل هذا الرأي بمسألة ”تعديل قانون القرض والنقد السنة الماضية لإدخال ”التمويل غير التقليدي” في القانون ما سمح للبنك المركزي الجزائري بطبع الأموال. في حين لم تدخل الحكومة أي تعديل على القانون يتعلق بالصيرفة الإسلامية.

42 ألف مليار دينار خارج القنوات البنكية وسلطات ”مترددة”

يحصي بنك الجزائر نسبة الادخار الوطني في شكل نقود ورقية متداولة خارج القنوات البنكية بـ 31 بالمائة من إجمالي الكتلة النقدية أو ما يعرف بالسيولة المالية المتداولة في الجزائر وتترجم هذه النسبة رقما يقدر بـ428 مليار دينار، أي 42800 مليار سنتيم من إجمالي السيولة النقدية الإجمالية والمقدرة بـ1380.6 مليار دينار، في وقت ستعتمد المنظومة البنكية في الجزائر مع مطلع السنة القادمة نظاما جديدا يحدد كيفيات التمويل التشاركي كخطوة جديدة لاستقطاب الموارد المدخرة خارج البنوك. وكشف بنك الجزائر مؤخرا عن نسبة جديدة عن الأموال المدخرة في شكل نقود ورقية، إذ تحدث في الملتقى الجزائري الأول للتأمين والمالية الإسلاميين عن نسبة ادخار نقدي خارج البنوك وصلت إلى 31 بالمائة وهي الحصة التي وصفها بالعالية والتي تستدعي بذل المزيد من الجهود لاستقطاب هذه الموارد نحو البنوك قصد تعزيز قدراتها على تمويل النشاط الاقتصادي، لاسيما الاستثماري منه، خاصة بعد انسحاب الخزينة العمومية من عمليات تمويل المشاريع بما فيها المشاريع العمومية وتفويض المهمة بصفة حصرية للسوق المالية المعنية حسب الاقتصاديات العالمية بهذه المهمة.

وبالنسبة للخبراء، فإن المعطيات والحقائق التي تضمنها تقرير بنك الجزائر المتعلقة بضعف الموارد البنكية التقليدية أجبرت بنك الجزائر على اللجوء إلى جمع الموارد عن طريق تنويع وتكييف منتجات الادخار والتمويل لتلبية حاجيات كل الفئات سواء تعلق الأمر بالمتعاملين أو المواطنين وهذه الضرورة الاستراتيجية حتمت على مجلس القرض والنقد البحث عن حلول لمشكل الادخار خارج القنوات الرسمية والأموال المتداولة خارج هذا المسار. 

ويتضمن هذا النظام تعريف هذه المنتجات بدقة وكيفيات ممارستها مع الفصل التام بينها وبين النشاطات البنكية التقليدية، غير أن هذا النص الجديد الذي أعده بنك الجزائر لا يسمح بالقيام بجميع العمليات البنكية التشاركية على غرار عمليات السوق المفتوحة وعمليات السوق بين بنكية وهو ما يفرض على السلطات بما فيها بنك الجزائر بذل المزيد من الجهود لطرح نصوص تنظيمية جديدة لاستكمال الترسانة القانونية وتأطير جل أنشطة التمويل التشاركي بناء على مبادئ التشاور في إعداد النصوص والتدرج في تطبيقها وإشراك جميع الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين.

مخاوف من انهيار النظام الكلاسيكي وراء عدم تفعيل المنتجات الإسلامية

وحسب الخبير الاقتصادي الدولي ورئيس مكتب الجزائر استشارات دولية، سراي مبارك، فإن البنوك الجزائرية ليست جاهزة حاليا للشروع في التعامل بالصيغ الإسلامية لكنه يتوقع الانطلاق في العمل بالصيرفة الاسلامية بعد أشهر بشرط أن يتم الانتقال إلى النظام الجديد وفق إطار تنظيمي ومحاسبي متكامل يغطي هذا النشاط هو عملية مستمرة في الزمن تتطلب نفسا طويلا وتستدعي الكثير من الجهود والصبر والمثابرة، مشيرا في تصريح لـ ”البلاد” إلى أن نجاح مشروع التمويل التشاركي يرتكز أيضا على نجاعة طاقم من المؤهلين والمتكونين بصورة كافية قادرين على إعلام المواطنين وتزويدهم بالشروحات الوافية حول المنتجات المالية الاسلامية. ويتوقع المتحدث الإفراج الرسمي عن هذه الخدمات في غضون السنة المقبلة، بعد صدور الأوامر المنظمة من قبل بنك الجزائر لتكون مدرجة في حزمة خدمات البنوك العمومية باعتبار أن قانون القرض والنقد لايحمل أي مواد تتحدث عن الصيرفة الإسلامية بشكل صريح ما يجعل معاملات البنوك الاسلامية المعتمدة غير محمية.

وحسب سراي، فإن تعطل إطلاق الصيرفة الإسلامية في الجزائر له علاقة مباشرة بمخاوف الحكومة من انهيار النظام البنكي الكلاسيكي، بعد دخول التمويل الاسلامي سوق المعاملات المالية الذي يعاني في الاصل من نقائص كبيرة بسبب عدم مواكبته لتطورات البنوك العالمية وبالتالي فهو يحتاج الى عملية إعادة تأهيل قبل فتح فروع الصيرفة الإسلامة حيز التطبيق والاجراء الذي يقتضي مرافقته بتكوين الموظفين في مجال القروض الاسلامية، إلى جانب أهمية جاهزية الوثائق المطلوبة باللغتين. وبهذا الخصوص، دعا المصدر نفسه إلى الاسراع في إصدار النصوص التنظيمية المتعلقة بالصيرفة الإسلامية بغرض استقطاب الكتلة النقدية المتواجدة في السوق السوداء والتي تستحوذ الفئة المتدينة من المجتمع على غالبيتها، لاسيما في منطقة الهضاب العليا والجنوب الجزائري في الوقت الذي يبقى فيه المجتمع ينتظر تنويع المنتجات المالية وهوما يمثل إمكانيات هائلة ينتظر من البنوك استغلالها في إطار الجهود الساعية لجذب الأموال المتداولة خارج الفضاء البنكي، لاسيما بعد فشل المحاولات السابقة للسلطات العمومية في استرجاع الكتل النقدية الضخمة المتداولة في السوق الموازية والتي يعتبر تعامل البنوك الناشطة في الساحة وفقا لمنطق المعاملات الربوية أحد أسباب العزوف، بالإضافة إلى ثقل وتخلف المنظومة المصرفية الوطنية.

المجلس الإسلامي الأعلى: الشراء بالتقسيط جائز لكن وفق الصيغ الإسلامية المعتمدة فقط 

بدوره شدد الدكتور بويزي السعيد، عضو المجلس الاسلامي الاعلى وأستاذ الشريعة والقانون، على ضرورة تكوين موظفي البنوك ومساعدتهم في فهم قواعد الشريعة الضابطة لمعاملات الصيرفة الاسلامية ضمانا لنجاح العملية، لأن عدم إلمام العاملين في المصارف بهذه الامور قد يؤدي إلى نفور المواطن من الصيغ الإسلامية المعتمدة خوفا من الوقوع في شبهة الربا واضاف متحدثا الى ”البلاد” أن التواصل مع المواطنين وتزويده بشروحات مقنعة من شأنه أن يساعد في استرجاع الاموال الضائعة في السوق السوداء واستغلالها على أحسن وجه لفائدة المجتمع الذي حرم من هذه الكتلة النقدية الهامة، بسبب الخوف من الربا المحرم شرعا.

على صعيد الصيغ الاسلامية، قال المتحدث إن القرار السياسي انسجم مع المطلب الجماهيري وتابع قائلا إن الصيغ الثمانية التي اعتمدها البنك المركزي شرعية بالمائة والمائة وأفتى بجواز التعامل بها دون خوف أو تردد. كما أن المجلس الإسلامي الأعلى أفتى بجواز استخدام المنتجات الإسلامية في البنوك بما في ذلك الحسم في قضية البيع بالتقسيط من منظور الصيرفة الإسلامية لا غير.

مقالات الواجهة

الأكثر قراءة

  1. أمطار غزيــرة على هذه الولايات

  2. إسبانيا تسحب "بشكل نهائي" سفيرتها لدى الأرجنتين

  3. منذ بدء العدوان.. إرتفاع حصيلة شهداء غزة إلى 35647 شهيد

  4. من هو وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان؟

  5. شركة "حصاد الغذائيّة" القطرية تبحث عن استثمارات مغريّة بالجزائر

  6. هذا هو موعد انتقال بن ناصر للدوري السعودي

  7. مقتل الرئيس الإيراني ومرافقيه إثر تحطم طائرتهم

  8. ما هو مرض الابيضاض النقوي الحاد الذي أصيبت به أسماء الأسد؟

  9. فرنسا تدعم قرار "الجنائية الدولية" باعتقال نتنياهو وغالانت

  10. حج 2024.. بلاغ هام من ديوان الحج والعمرة