
بدأت مظاهر دخيلة على الأسرة الجزائرية تبرز في المجتمع، في الآونة الأخيرة، حيث انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي صور لجزائريات يقمن حفلات طلاق بحضور الأقارب والأصدقاء، وأحيانا تقام هذه الحفلات في فنادق كبيرة، حيث ترسل بطاقات دعوة للضيوف ويتم حجز قاعات فخمة للاحتفال بهذه ”المناسبة”! هذا السلوك الغريب لم تسمع به العائلات الجزائرية، سابقا، والتي اعتادت على الاحتفال بالمناسبات السعيدة بمختلف مظاهر الفرح والبهجة، على مدار عهود من الزمن، فكانت المناسبات الجزائرية تكتسي طابعا خاصا كالزواج والختان وحفلات التخرج.
الاحتفال بالطلاق بين التقليد الأعمى وحب الانتقام
"البلاد” حاولت البحث في أسباب انتشار تلك السلوكات، ورصدت دوافع متبني هذه الفكرة، وانطباعات بعض المواطنين في الشارع الجزائري، كما استعانت بمختصين في المجال الذين استنكروا هذا السلوك فوصفوه بـ«الدخيل” على المجتمع الجزائري.
بدأت هذه الأفعال في الانتشار، منذ حوالي عامين فقط، وذلك بعدما قامت بعض النساء في تونس بالاحتفال بطلاقهن، حيث نشرن صورا لهن عبر مواقع التواصل الاجتماعي أظهرت قوالب حلوى كتبت عليها عبارات متعددة، منها: حفلة طلاق، طلاق سعيد، مبروك الطلاق، وهو ما جعل السلوك يتعدى أن يكون تصرفا فرديا.
هذا التصرف المنتشر في تونس انتقل إلى بعض الجزائريات المهووسات بالتقليد الأعمى، بينما تتعدد الأسباب عند البعض الآخر من النساء واللواتي وجدن أن هذا الاحتفال مجرد وسيلة لتفريغ ما عشنه من تعاسة والتعبير عن فرحتهن بنيل الحريـــة، تقـــول كريمة صاحبة 28 سنة ”احتفلت الصائفة الفائتة بطلاقي لأنني عشت مع طليــــقي 3 سنوات من العذاب والتعاسة اليومية”، وتضيف ”لم يكن ذلك احتفالا كبيـــرا لكنني دعوت صديقاتي المقربات، أردت أن أتذكر ذلك اليوم دائما لأنه بالنسبة لي كان يوم خروجي من سجن وليس من زواج سعيد”.
نساء يحتفلن بالطلاق في فندق 5 نجوم للتباهي بالثراء!
ترى الكثير من النساء أن الاحتفال بالطلاق مجرد ذكرى. سامية تقول إن صديقتها احتفلت بطلاقها في فندق 5 نجوم، حيث أقامت مأدبة عشاء حضرت فيها كل أنواع المأكولات والمشروبات، واستلم الضيوف بطاقات دعوة تم تحضيرها خصيصا لهذه المناسبة! وبهذا الخصوص تضيف سامية ”صارحتني صديقتي حين سألتها عن سبب كل هذا البذخ الزائد، قالت إنها أرادت أن يعرف طليقها (وهو رجل ميسور الحال) أنها ثرية ولا يهمها الافتراق عنه، وحسب رأيها كانت إقامة الحفلة هي الفكرة المناسبة لذلك”.
وكالة تنظيم المناسبات: تلقينا 15 طلبا العام الماضي والأثرياء في القائمة
قصدنا إحدى وكالات تنظيم المناسبات بـ«بن عكنون”، حيث استقبلتنا أمينة.ع مسؤولة عن الوكالة، فأكدت لنا أنها تتلقى العديد من الطلبات في الآونة الأخيرة من الزبائن لتنظيم حفلات طلاق بمواصفات وصفتها بـ«الراقية”، وتضيف أمينة قائلة: ”أغلب الزبائن من النساء، نادرا ما نتلقى طلبا من رجل، وقد تلقينا العام الماضي 15 طلبا من هذا النوع، منها رجل واحد، في البداية لم نعرف كيف ننظم مثل هذه الاحتفالات، كون المناسبة غريبة علينا”، وتواصل محدثتنا ”فمثلا احترنا هل نضع الزهور أم لا؟ وكيف نختار ألوان الستائر؟ وماذا نكتب على بطاقات الدعوة؟”، وأمام هذا الوضع الشاذ توضح أمينة ”لهذا كنا نعاود الاتصال بالزبائن لنعرف طلباتهم بالتحديد، فكانوا يركزون على الألوان المبهجة، وحسب رأيي أغلب هؤلاء يريدون احتفالا الغرض منه أن يعرف الزوج وأهله والمعارف والأصدقاء أن هذه المرأة لم تتأثر بالطلاق. وتجدر الإشارة إلى أن أغلب هؤلاء من الأثرياء الذين عادة ما يحتفلون في حياتهم كثيرا ولأبسط الأمور”، من جهته يقول الشاب سفيان الذي التقيناه هناك ”هذه عادة دخيلة علينا، ومهما كانت صعوبة الحياة التي عاشها الزوجان، فالطلاق ليس فرحا حتى نحتفل به، لا أرى أن هؤلاء الأشخاص طبيعيون في طريقة تفكيرهم”.
مختص في علم النفس: الاحتفال بالطلاق حالة نفسية مرضية
أكد فرجاني محمد، أخصائي نفساني عيادي ومختص في علم النفس الصحي لـ«البلاد” أن حالات الاحتفال بالطلاق هي حالات شاذة لا تمت بأي صلة إلى المجتمع الجزائري، وأضاف ”هي عبارة عن حالات نفسية مرضية، لأنها طريقة لتعويض النقص، ونحن نعتبر ذلك من أعراض تدل على تعرض الشخص لصدمة، ما يسبب سلوكات لاشعورية وغير طبيعية”.
وعن أسباب تفشي هذه الحالات المرضية عند النساء، يضيف المختص أن هناك نوعين من النساء، منهن من تخاف من نظرة المجتمع الدونية للمرأة المطلقة، فتحاول أن تعوض ذلك النقص الذي باتت تحسه في نفسها بإقامة حفلة طلاق، كردة فعل أولية.
أما النوع الثاني، فهن النساء اللواتي يتأثرن بوسائل الإعلام ويحاولن تقليد عادات غريبة عن المجتمع الجزائري، ويأتي هذا الاحتفال بالنسبة لهذا النوع تعبيرا عن التحرر من سلطة الرجل، فمفهوم الحرية عند هؤلاء هو أن المرأة لا تحتاج إلى الرجل بمجرد امتلاكها سيارة ومنصب عمل ومنزلا وإقامتها علاقات اجتماعية حسنة. وقد حذر المختص النفسي من خطورة هذا الفكر، وأضاف ”عندما تتقمص المرأة دور الرجل وتتمرد على الطبيعة، فهذا سيؤدي إلى نتائج كارثية على نفسية المرأة وعلى الأسرة والمجتمع بأكمله”. وعن تأثير هذا السلوك على نفسية المرأة مستقبلا، يضيف فرجاني محمد ”إن محاولة المرأة خلق جو غير مباشر للمرح في مناسبة غير سعيدة، يحدث بسبب ما نسميه في علم النفس بالجرح النرجسي، وهذا ما يؤدي إلى أعراض قد تكون خطيرة مستقبلا على نفسية المرأة منها: كوابيس، إضطرابات النوم، واستعمال آليات دفاعية غير طبيعية الهدف منها الهروب من الواقع ومحاولة تغيير الوضعيات”.
رأي القانونيين: المصالح المادية هي التي جعلت قرار الطلاق سهلا
كشف المحامي لخميسي عثامنية لـ«البلاد”، حول انتشار ظاهرة الاحتفال بالطلاق، أن هذا الأخير أصبح قرارا سهلا بين الزوجين، يتخذه الطرفان دون أدني تفكير، بينما جعله الله آخر الحلول، في حال استحالت الحياة بين الزوجين. وقال عثامنية في رده على سبب تفشي ظاهرة الاحتفال بالطلاق ”من خلال خبرتي في المحاكم، أرى أن السبب هو أن العلاقات الأسرية أصبحت هشة، و في بعض الأحيان لا تربطها غير المصالح المادية”. وأوضح عثامنية أن ”نظرة كل طرف للآخر تغيرت في مجتمعنا اليوم، خاصة في ظل التحرر الذي تعيشه المرأة، فقديما كانت المرأة ترى في الرجل مصدر للنفقة والرعاية والاهتمام، بينما ينتظر الزوج منها بالمقابل الاحترام والرعاية وتربية الأبناء”، مضيفا ”لكن عندما اختلت هذه المعادلة، أصبحت المرأة لا تطلب النفقة بل في بعض الأحيان هي من تنفق على العائلة، وبالمقابل أصبح الزوج لا يرى في بيته مصدرا للسكينة والراحة، وبهذا تغلبت المصالح المادية على القيمة الحقيقية لرابطة الزواج”.
إمام مسجد براقي: الاحتفال بالطلاق لا يجوز شرعا
استنكر الأستاذ علي كرور، إمام بمسجد الكوثر ببلدية براقي في تصريح لـ ”البلاد”، سلوك الاحتفال بالطلاق ووصفه بــ«الأمر المنكر”، حيث قال ”إن الاحتفال يكون للمناسبات السعيدة وليس للتعاسة، فالطلاق يترتب عليه ضياع الأولاد، وتفكك الأسرة، والكثير من النتائج السلبية فكيف نحتفل بخراب البيوت؟”. وأضاف إمام مسجد الكوثر ”الأصل في الزواج هو الديمومة، فهو ميثاق غليظ جعله الله بين شخصين، من أجل بناء أسرة، حيث جعل الطلاق آخر الحلول بعد سلسلة من الخطوات بهدف التسوية”.