يقينا.. لا تولد الديمقراطية على الورق.. بل على الأرض.. أعني في الواقع.. ولو نفع الحبر والورق لكنا ديمقراطيين في 6 جويلية 1962.. أي بعد يوم من الاستقلال.. وليس بعد مائة سنة من ذلك التاريخ.
لذا تبدومناقشة قانون الانتخابات الجديد بغير معنى.. إن كنا لا ننتبه إلى المزوّرين.. فنلقي عليهم القبض ونودعهم السجن.. ونحكم عليهم أن يظلوا هناك لخمس أو عشر سنوات على الأقل.. المشكلة ليست في النص.. بل في الرؤوس التي تحجر فيها الإقصاء.. وتعتقد أن الجزائر قد وُجدت لها.. أما الباقي فعليهم أن ينتظروا إلى أجل غير مسمى.
ما الذي يمنع التزوير؟ ليس القانون.. ولو نفع القانون لاختفى المزوّرون منذ نصف قرن.. لكنهم ـ وللأسف ـ لا يزالون هنا.. يعملون في النهار.. ونادرا ما يضطرون للنشاط الليلي.. حتى إن اللجان البرلمانية التي أنشئت للتحقيق في جرائم تزوير سابقة.. كتبت تقاريرها على الورق.. ولم تنزل بها إلى الواقع.. فأخذت طريقها إلى الأرشيف السري للحكومة.
يقال إن أحزابا كثيرة ترفض تطبيق نسبة 4٪ في الاستحقاق الانتخابي لسنة 2017.. ويقال أيضا إن حزب جبهة التحرير الوطني يكون قد اقتنع بالفكرة.. وجماعة جاب الله كذلك.. بما يوحي أن ”المشرعين” يرفضون أفكار الحكومة.. وتقديري أن في الأمر مغالطة مكشوفة.. ينطبق عليها المثل الجزائري القائل ”اضربه على التبن.. ينسى الشعير”.
فالظاهر أن الضحايا المفترضين لا ينتبهون إلى لب المشكلة.. ويلعبون بعيدا عن منبع البؤس السياسي.. حيث تجتمع الدبابير.. فمقترح القانون الجديد يرتد بأثر رجعي إلى 2012.. وخلاصة التعديل الذي وافقت عليه الجبهة.. ليس إلغاء المادة في حد ذاتها.. بل ترحيلها إلى 2022.. وكأن الذين زوروا في 2012 وقبل ذلك في 1997.. لن يزوروا في 2022!
وتمرير القوانين المجحفة بهذا الأسلوب ”التبني” .. لا يخص الانتخابات فقط.. بل يشمل قانون التقاعد أيضا.. فجماعة التربية كانوا يفاوضون قبل عامين.. على افتكاك الحق في التقاعد لمن عمل 25 سنة.. ليكتشفوا أن الحكومة في قانونها الجديد.. تجرهم إلى العمل حتى سن الستين.. بما يعني أنهم سينسون لا محالة حكاية 25 سنة.
لا أقول إن الحكومة ذكية.. بل أفترضها واعية بما تفعل.. فهي ترفع السقف لتحقق ما دونه.. فمن تناولته الهراوة بسبب التبن.. كيف له أن يحلم بأكل الشعير!
