الأغبياء يسقطون قبل أن ينقلوا أولى خطواتهم إلى الأمام.. والحمقى يتصرفون في اللحظة الفارقة دون وعي.. أي إنهم يخسرون في ثانية ما جمعوه في قرن. الأمين العام لحزب ”ج ت و«.. انبثق من اللاشيء.. كان حالة عدمية تماما.. على غرار هؤلاء الذين يتسلقون من أسفل السلم.. وفي أوهامهم أن يقفزوا في اللحظة الأخيرة إلى أعلى البرج ذي المائة طابق.. ربما أعانته أحداث التسعينيات على الصعود سريعا.. رئيسا للمجلس الشعبي الوطني.. أمينا عاما لحزب جبهة التحرير الوطني.. ومتحدثا بغير تفويض.. باسم الدولة الجزائرية.. وأشياء أخرى لا تزال في الظل.
من اختار سعداني لتصفية حساباته مع خصومه.. يعلم أن الرجل لا يملك لسانه.. ولا يفكر في العاقبة.. ولا يتوخى الحذر.. ولعله السياسي الجزائري الوحيد.. الذي لا يعنيه ما يقول.. ويملك أن يقول أي شيء.. وضد أي أحد.. بدليل أنه يشتم ويعري ويتهم ويتحامل.. ويمارس هجماته بلغة سوقية فجة في كثير من الأحيان.. لا يميز بين من هو في السلطة ومن هو خارجها.. بين من يملك إعدامه سياسيا وأدبيا.. ومن لا يستطيع زحزحته عن موقعه.. بين الهش والصلب.. بين الحجم الضئيل والحجم الكبير.
باختصار.. سعداني ظاهرة.. شبيه بـ«أويحيى” من جهة.. وإن اختلف عنه في درجة ”المكر السياسي”.. أويحيى ماكر.. وقد أجاد هذه اللعبة منذ نعومة أظافره.. ويديرها بحيث لا تحرق أصابعه.. وفي النهاية كلاهما سيغادر.
سعداني غادر فجأة.. ولا أظن أنه سيعود هذه المرة.. أو أن يلجأ لتصنيع تنسيقية تتيح له أن يشاغب ولو من بعيد.. بعض السياسيين يموتون مرة واحدة وإلى الأبد.. أي إنهم لا يمتلكون سبعة أرواح للاستنجاد بها عند الحاجة.. لكن من أسقط سعداني بضربة قاضية.. فعل ذلك كي لا يعود مرة أخرى.
تقديري.. أن فرنسا لا تسمح لأتباعها بالشغب عليها.. وهو ـ أي سعداني ـ في هذه المرة تحديدا.. قصف فرنسا بقنابل غبية ـ وليست ذكية بالمرة ـ.. لسعها بشدة حتى صرخت في صمت.. فقررت إزاحته.. والراجح أنه أحرج السلطة.. والمقربين منها.. ومن كانوا يحيطونه بسياج المناعة السياسية في المرات السابقة.
شجاع أم أحمق؟ سواء أهذا أم ذاك.. سقط شخص.. ولم تسقط سياسة.. والباقي في حياة الجزائر.
