في بلاد العرب.. لا فائض إلا في السياسة.. وما عداها فمجرد أجسام طافية على سطح هذه السياسة.. الاقتصاد - إن وُجد - والإعلام والتربية والقضاء والأمن والإرهاب والإدارة والنشاط الخيري.. والفتاوى التي يصدرها علماء دين تحت الطلب.. كل شيء تقريبا في خدمة السياسة.. والسياسة في خدمة الحاكم.. والحاكم في خدمة نفسه.
ولهذا السبب تحديدا.. فقدت السياسة معناها وجدواها وتحولت إلى ثقب أسود يمتص كل أثارة ضوء قد تطوف حوله.. وتحول كل ما هو غير سياسي إلى زوائد مرضية تغذي فشل السلطات.
يقال.. إن من يتحدث في غير اختصاصه يأتي بالعجائب.. وليس بعيدا أيضا.. أن من يمارس السياسة بالمزاج العربي.. سيأتي بما يفوق العجائب.. جنون وبهلوانيات.. كأن يبيع الحاكم العربي جزيرة أو جزيرتين.. أو يشتري حاملة طائرات لمجرد أنها حاملة طائرات.. أو يوقع عقودا وصفقات بمئات المليارات في جلسة “ترامبية” واحدة.. أو يقرر في لحظة هوس غزو دولة جارة كما فعل صدام.. أو ينتهي إلى قرار فجائي بضرورة فرض حصار بري وبحري وجوي على دولة جارة.. لمجرد أنها ترسل على موجة لا تلتقطها مستقبلات هذا الحاكم أو ذاك.
محاصرة قطر يشبه في أسلوب تنفيذه.. حصار المدن في القرون الوسطى.. فإذا ما استسلمت سيق أهلها أسرى أو أعمل السيف فيهم.. فمن يمنع الغذاء والدواء والكلام أيضا.. ويحظر حركة وسائل النقل.. إنما يستلهم من أساليب كاليجولا وجنكيز خان قديما.. ونتانياهو والميليشيات الشيعية في الوقت الحاضر.
أخطر من هذا.. أن تتحول قطر إلى دولة منبوذة خليجيا.. لا لأنها تتصرف على نحو شائن وعدواني.. أو تمارس السياسة بأسلوب البلطجة.. أو تدعم الحركات الانفصالية.. أو تمارس التهريب والتخريب.. لا.. ليس لشيء كهذا.. بل لأنها دولة اختارت أن تتمدد خارج الربع الخالي.. وأن تتمرد ولو قليلا على التقاليد البدوية.. وألا تفكر بمنطق كبير القبيلة.. الذي إذا غضب على غيره من البطون والأفخاذ.. أشار على عساكره أن “دكوهم” أي أضربوهم بعنف.
والأسوأ من هذا كله.. أن يصدر القرار الرسمي الخليجي.. أن أخرجوهم من ناديكم إنهم قطريون!!
