سبق وأن كتبت بشأن ترسيم الأمازيغية.. أن السلطة ـ بهذا القرار الانتحاري ـ قد وضعت الإسفين بإرادتها الخاصة والأحادية.. في جسد “الوحدة الوطنية”.. وأن القادم ليس أكثـر من مشاهدة هذا الجسد وهو يتفسخ.. وتتمزق أعضاؤه.. ويفقد ملامحه.. وينتهي شيئا من الماضي.
هذا الكلام الذي لم يعجب مريدي الأمازيغية.. ليس موقفا أيديولوجيا.. فنحن نتكلم البربرية أيضا.. وليس في هذا ما يضير.. لكن لا يوجد أيضا ما يدعونا إلى تحويل عدة لهجات شفوية إلى قضية.. لأن الوطن هو القضية.. فإذا زال الوطن تلاشت القضية.
ما يثير فينا هذا التوجس.. إدراكنا لخطر التشتت اللغوي.. وتأثيره على التماسك الوطني.. وقد بدت أعراض هذا التمزق الآن.. وأول الغيث قطرة كما يقولون.. ففي إحدى الجامعات الجزائرية.. وفي إطار ما يسمى بـ«اليوم العالمي للغات الأم”.. نظم بعض طلبة قسم اللغة العربية مسيرة احتجاجية.. رفعوا فيها لافتات.. تدعوإلى “مساواة الأمازيغية بالعربية”.. ورددوا شعارات تعتبر “الجزائر أمازيغية الهوية فقط”.. كما طالبوا بتعميم “تدريس الأمازيغية في كل الولايات وبالخط اللاتيني”.. وهذه أشياء ثلاثة.. ترسم ملامح المستقبل لما ستكون عليه الجزائر.
فماذا تعني مساواة الأمازيغية بالعربية والمطالبة بتعميم تدريسها في كل الولايات؟ في يوم ما.. قد لا يكون بعيدا.. سيرفع هؤلاء لافتة تدعوإلى نبذ العربية في بلاد “القبائل”.. من باب المعاملة بالمثل.. والاقتصار على القبائلية ـ ولا أقول الأمازيغية ـ لغة رسمية.. والرابح في كل هذا هوالفرنسية طبعا.. أليس هذا ما تعنيه المساواة!
وما القصد من اعتبار الجزائر ذات هوية أمازيغية فقط.. ألا يعني هذا نبذ الإسلام والعربية معا.. وادعاء أن العرب غزاة يجب طردهم.. هذا ما أفهمه.. وهذا ما سمعته وقرأته.. وما عاد دعاة العرقية يستخفون به.. بل أضحى عنوانا نضاليا بارزا.. وأخطر من هذا كله.. الترويج للخط اللاتيني.. كما فعل مولود معمري.. الذي أكل وشرب في الصحن الفرنسي.. ثم طلع علينا بهذه الأبجدية الغريبة.
هل تتحمل السلطة السياسية وزر فعلتها؟ لا أظن.. لأن من ارتكبوا هذه الموبقة.. وحكموا ببذر الفرقة بين الجزائريين.. سيحزمون حقائبهم.. ويقلعون في أول طائرة تغادر الجزائر.. فوطنهم هناك.. وليس هنا.
