الرقمنة.. لغة جديدة يتحدثها الدينار الجزائري

تبنّت السلطات العمومية، سياسة واضحة لتطوير النظام المالي والمصرفي، من خلال اعتماد الدفع الإلكتروني وتطوير التعاملات المالية الرقمية، آخرها تحيين القانون النقدي والمصرفي، لتحقيق الشمول المالي وتحسين مؤشراته، من خلال تنويع المنتجات البنكية وعصرنتها، والوصول للتنمية المستدامة، في ظل عديد التحديات الإقليمية والدولية والتغيرات المناخية..
ولتحقيق هذه الأهداف الاستراتيجية الكبرى، يسمح مشروع القانون المصرفي بإطلاق العملة الرقمية الوطنية وفتح وكالات بنكية خارج البلاد لمرافقة المستثمرين نحو التصدير، بهدف الوصول إلى خدمات مالية ابتكارية تمكّن المواطن من الحصول على منتجات ذات جودة..
وعرفت معاملات الدفع الإلكتروني تطورا ملحوظا، خاصة بعد ظهور جائحة كورونا، حيث بلغ عدد عمليات الدفع الإلكتروني عبر محطات الدفع TPE، أزيد من 837 ألف عملية خلال الثلاثي الأول من السنة الجارية، بقيمة تفوق 6.7 مليار دج، حسب تصريح المدير العام لتجمع النقد الآلي GIE Monétique، مجيد مسعودان وهو مؤشر قد يفتح الشهية للتعامل بالدينار الرقمي في حال تم استصداره..

دينار عادي.. وآخر غير عادي!

مع توجه الحكومة لاستصدار الدينار الرقمي، عبر البنك المركزي، يتساءل العديدين عن الفرق بينه وبين الدينار العادي، وبينه وبين العملات المشفرة. وفي هذا السياق، يؤكد الخبير في تكنولوجيا المعلومات، يزيد أقدال، أن هناك بعض الفروق التي يجب توضيحها، مؤكدا أن لهما القيمة نفسها، غير أن الدينار الرقمي لا وجود مادي له، حيث إن من له مليون دينار رقمي، لا يوجد ما يقابله ماديا لدى المتعامل أو الزبون، بمعنى يملك مقابله مليون دينار ورقي، وهو الأمر الموجود فقط كسيولة لدى البنك المركزي.
كما أن الدينار الرقمي له وجود قانوني مثله مثل الدينار الورقي العادي، وهو محمي قانونيا ومسموح التعامل به، عكس العملات المشفرة.
فيما العملات المشفرة، يوضح أقدال، كل تعاملاتها خارج الأطر القانونية وخارج رقابة البنوك الرسمية وتعاملاتها وتحويلاتها غير معلومة الوجهة. كما أن مصدر الأموال مجهول أيضا.
ويرى أقدال، أنه ستصدر مستقبلا عديد التشريعات التي ستوضح جل الأمور المتعلقة بكيفية التعامل بالدينار الرقمي، وستجيب عن عديد التساؤلات، مثل: هل سيسمح القانون بسحب الدينار الرقمي وتحويله إلى ورقي؟!. مؤكدا حتمية مرافقة إصدار الدينار الرقمي بجملة من التشريعات التي توضح كل ما يتعلق بالعملة الوطنية الرقمية وحمايتها ومختلف الإجراءات التقنية المصاحبة لهكذا إجراءات.

الدينار الرقمي والعملات المشفرة.. تشابه واختلاف

وفيما يتعلق بأوجه التشابه والاختلاف بين الدينار الرقمي والعملات المشفرة، يرى أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة أم البواقي، البروفيسور، مراد كواشي، أنه من المنتظر أن يكرس القانون المصرفي والنقدي الجديد، رقمنة النشاط المصرفي في الجزائر من خلال انفتاح النظام المصرفي ككل على البنوك الرقمية ومقدمي خدمات الدفع وأيضا الدفع بالعملة الرقمية، مؤكدا أن العملة الرقمية تشبه العملات المشفرة في كونها غير مادية، يتم تبادلها بشكل رقمي دون اللجوء لاستعمال السيولة النقدية. وفي الوقت نفسه ليست عملة افتراضية كالبيتكوين مثلا، وهي تشبه العملات التقليدية كونها رسمية وتصدرها البنوك المركزية للدول وتحمل القيمة والقدرة الشرائية للعملة المادية، مضيفا أنه يمكن مبادلة الدينار الرقمي بأي سلعة أو خدمة مثل شحن رصيد الهاتف أو دفع الفواتير، كفاتورة الكهرباء.

الدينار الرقمي.. جباية أكثر عدالة

وأكد رئيس جمعية المستشارين الجبائيين، أبو بكر سلامي، أن هناك ارتباط وثيق جدا، بين الرقمنة والإصلاح المالي والبنكي وبين الدينار الرقمي، مدرجا استحداث الدينار الرقمي، ضمن التغيير الذي طرأ على قانون النقد، بمثابة تأكيد وتجسيد لاستراتيجية الدولة في مجال الرقمنة، هذه الأخيرة التي تخطوا ـ حسب المتحدث ـ خطوات كبيرة.
وقال سلامي، إن التعامل مع الدينار الرقمي لن يكون كتعاملنا مع الدينار المادي، بالنظر للخصوصية الرقمية لهذه العملة، مؤكدا أن التعامل بالدينار الرقمي، من شأنه أن يحل عديد الإشكالات التي نعرفها في تعاملاتنا المالية اليومية، بينها مشكل نقص السيولة المالية، وحل المشكل الكبير المرتبط بالسوق الموازية، حيث إن التعاملات المالية، التي تفلت اليوم من كل رقابة من طرف مصالح وزارتي المالية والتجارة ومختلف مصالح الضرائب والجمارك، ستختفي.
وأكد رئيس جمعية المستشارين الجبائيين، أن التعامل بالدينار الرقمي مستقبلا، سيكون له أثر كبير، أي أنه مهما كانت أي عملية نقوم بها باستعمال الدينار الرقمي، سيكون لها أثر ويمكن مراقبتها، خاصة إذا واكبت هذا الأمر مختلف المصالح، وبالأخص المالية والتجارة والضرائب وأيضا شريطة حصول رقمنة وتنسيق شامل وحقيقي بين مختلف الأنظمة كالنظام المالي والبنوك والجباية والتجارة والجمارك وغيرها من المؤسسات المالية والبنكية المعنية بهكذا تعاملات ومعاملات.
ويرى المتحدث أنه يستحيل أن تكون هناك أي معاملة بالدينار الرقمي دون أن تكون مختلف مؤسسات الدولة على علم بذلك، في ظل "الخطوات الكبيرة للرقمنة" ومواكبة مختلف المؤسسات المالية والبنكية لعالم الرقمنة.
ويضيف أبو بكر سلامي، أن الدينار الرقمي الذي اعتمدته الحكومة من خلال تعديل القانون المصرفي، سيساهم بشكل كبير في تعميم الشمول المالي والرقمي، ويساهم هو الآخر في الرقمنة، حيث إنه سيفيد قطاعات عديدة على غرار الجباية في ظل الرقابة وكل عملية ستكون معروفة ومتابعة لفرض الجباية والضرائب عليها وهو الأمر الذي سيكون له الأثر الإيجابي على مختلف مؤسسات الدولة.

الدينار الرقمي.. رقابة صارمة وتراجع لـ"الكاش"

ويؤكد يزيد أقدال، الخبير في تكنولوجيا المعلومات والمهتم بريادة الأعمال، أن اتجاه بنك الجزائر نحو إصدار الدينار الرقمي، يأتي في إطار مسايرة التحول العالمي، حيث إن كل البنوك المركزية عبر العالم تفكر في الاتجاه نحو عملات وطنية رقمية، وحاليا هناك من هو في طور التجربة ومن هو في طور المشروع ونحن في الجزائر حاليا في مرحلة المشروع.
ويرى أقدال أن هذا المنحى له مسببات ومحفزات، بينها انتشار العملات الرقمية، غير أن هذه الأخيرة من مشكلاتها أنها غير مرتبطة بالبنوك المركزية، والتي لا سيطرة للحكومات عليها، وتبقى مفتوحة على كل الاستعمالات ومصادر أموالها مجهولة، وهذا كله خارج الرقابة الرسمية للبنوك المركزية.
وذكر الخبير في تكنولوجيا المعلومات، أن هناك عدة حكومات تبنت تشريعات لإيقاف التعامل بالعملات المشفرة رغم أن تعاملاتها بمليارات الدولارات.
ويعتقد يزيد أقدال، أن من بين محفزات إصدار عملات وطنية رقمية، مسألة المراقبة، حتى تبقى الأموال ومختلف التعاملات المالية في الإطار القانوني وتستطيع البنوك المركزية مراقبة التعاملات المالية ومعرفة مصدر الأموال وتحويلاتها.
وفيما يتعلق بالفرق الرئيسي بين العملات الوطنية الرقمية والمشفرة، يرى المتحدث أن هذه الأخيرة كالبيتكوين تُتداول خارج الإطار الرسمي وتتفاوت التشريعات بين الدول من حيث السماح ومنع استعمال هذه العملات ومن أبرز إشكالاتها التمويل ومصادر الأموال واستخداماتها، مؤكدا أن التعامل بالدينار الرقمي سيخفض بشكل كبير جدا التعامل بالنقد، لأنها تعاملات حصرية بالدفع الإلكتروني بين البطاقات البنكية والمويابل بايمنت.
هذا الاتجاه نحو التعامل بالدفع الإلكتروني وتحويل الأموال الكترونيا "يجعل التعامل بالنقد ينخفض"، مشيرا إلى وجود بعض الدول التي "ينعدم فيها التعامل بالنقد، معتبرا هذا الأمر محفز للاتجاه نحو العملات الوطنية الرقمية.

الدينار الرقمي و"السكوار".. ويستمر التدافع

ويبقى التساؤل الاقتصادي الكبير، هل يمكن للدينار الرقمي أن يكبح جماح السوق السوداء، أو ما يعرف بالسكوار، خاصة في التعامل مع العملات الأجنبية !؟..
وفي إجابته على هذا السؤال، يرى البروفيسور مراد كواشي، أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة أم البواقي، أن من بين أبرز فوائد استخدام الدينار الرقمي كمرحلة أولى، تجنب المشكلات المرتبطة بالعملات الكلاسيكية، حيث إنه "لا يحتاج لحراسة وشاحنة لنقله من البنك المركزي إلى البنوك التجارية". كما أنه مع العملة الرقمية "من المستبعد الوقوع في أزمة السيولة في مراكز البريد"، مضيفا أن استصدار الدينار الرقمي سيعزز حوكمة النظام المصرفي وجعله أكثر شفافية، كون هذه العملة تخضع لمراقبة البنك المركزي. كما أن الدينار الرقمي يسمح بتعميم وسائل الدفع ويساهم في تحضير بيئة داعمة لاستخدام التكنولوجيات المالية، زيادة على تعزيز الأمن المعلوماتي المصرفي.
أما ما يتعلق بإمكانية تأثيره على السوق السوداء "السكوار"، كان البروفيسور كواشي واضحا وصريحا، قائلا إن "السوق الموازية= ذات حجم كبير جدا، تقدر بملايير الدولارات وستسهم هذه العملة الرقمية في تقليل حجمها، من خلال إمكانية أن تدخل كتلة كبيرة من أموال السوق الموازية للقنوات الرسمية".
غير أن البروفيسور كواشي لم يكن متفائلا بشكل كبير حينما قال "لا أعتقد أنه يمكن للدينار الرقمي أن يقضي على السوق الموازية لأنه للأسف الشديد حجمها كبير جدا".
ويرى أن القضاء على السوق السوداء يستلزم ّإجراءات أخرى"، بينها "مكاتب الصرف التي يمكنها المساهمة في تقليل حجم السوق الموازية"، بالإضافة إلى "تبني سياسات تشجيعية أخرى للتقليل من السوق الموازية".
وبكل صراحة، أجاب الأستاذ كواشي عن سؤال تأثير الدينار الرقمي على السوق الموازية قائلا "الدينار الرقمي له أهمية كبيرة من الناحية الاقتصادية، لكن سيساهم نسبيا فقط في التقليل من حجم السوق الموازية".

الدينار الرقمي.. خطوة نحو "البريكس"

وفيما يتعلق بدور الدينار الرقمي في الدفع بعجلة انضمام الجزائر لمجموعة "البريكس"، التي تضم البرازيل وروسيا والصين والهند وجنوب إفريقيا، اعتبر البروفيسور كواشي، أن استصداره من شأنه أن يشكل خطوة نحو الانضمام لهذه المجموعة.
ويرى كواشي أن أي خطوة لتطوير الاقتصاد الوطني تساهم في قبول انضمام الجزائر، خاصة وأن النظام المصرفي الجزائري ـ يضيف البروفيسور ـ يعرف حالة من الهشاشة و"يعد الحلقة الأضعف وتطويره يساهم في تحسين مناخ الأعمال ويزيد حظوظ الجزائر في الانضمام لمجموعة البريكس".
ويؤكد أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة أم البواقي، أن مجموعة "البريكس" تضم دولا كبرى "متطورة جدا من الناحية المصرفية"، مشددا على أنه "يجب أن يكون نظامنا المصرفي مضاهيا للأنظمة المصرفية بهذه الدول".

مقالات الواجهة

الأكثر قراءة

  1. طقس الخميس.. امطار غزيــرة على هذه الولايات

  2. منذ بدء العدوان.. إرتفاع حصيلة شهداء غزة إلى 34305 شهيد

  3. حول طلبات التقاعد.. بيان هام من "كاسنــوس"

  4. حج 2024.. بيان هام من الديوان الوطني للحج والعمرة

  5. وفد صيني يحل بتندوف لإنجاز محطة إنتاج الكهرباء بغار جبيلات

  6. إصابة 10 أشخاص في حادث مرور بالأغواط

  7. لأول مرة في الجزائر.. بناء 11 سفينة صيد بطول 42 متر

  8. فؤاد الثاني.. أخر ملوك مصر يعود الى قصره بالاسكندرية

  9. للمستفيدين من سكنات عدل.. جلسة عمل تقنية لمراقبة العملية التجريبية للمنصة الالكترونية

  10. الجرعات الزائدة من البطيخ قد تكون مميتة في حالات معينة.. ماهي؟