بتأكيد رئيس الجمهورية،عبد المجيد تبون، تسعي شركة سوناطراك لمضاعفة إنتاج الغاز الموجه حصريا للتصدير لتكون الجزائر قد أدركت مبكرا أبعاد معركة الطاقة العالمية و شرعت في اعتماد استراتجية جديدة لتعزيز نفوذها في عالم ما بعد حرب أوكرانيا و التي أصبح فيها الغاز يمثل أبرز قضاياه.و يشير خبراء الاقتصاد أن "التحولات العالمية الراهنة منحت الجزائر دفعة قوية في سعيها لتطوير صناعة طاقوية قوية و تعزيز ريادتها الإفريقية في تدفقات الطاقة نحو أوروبا و بقية دول العالم كشريك دولي آمن و موثوق في وقت باتت الجزائر تتصدر الترتيب العالمي في 2022 من حيث الاكتشافات النفطية والغازية".ومنذ بداية العام الجاري، تحوّلت الجزائر إلى وجهة أساسية لقادة الدول الغربية، وخاصة إيطاليا وفرنسا والولايات المتحدة والبرتغال ومفوضية الاتحاد الأوروبي، بحثا عن إمدادات إضافية تُعوض تدفقات الغاز الروسي وتُجنب أوروبا الوقوع في فقر طاقي.
تحديات استراتجية
وأكد الرئيس تبون، لدى وقوفه عند جناح الصناعات البترولية التابع لمجمع "سوناطراك", بمعرض الإنتاج الجزائري, الذي أشرف على افتتاحه قبل يومين أن الجزائر "تنتج حاليا قرابة 102 مليار م3 من الغاز, نستهلك نصفه محليا, اتمنى ان نصل، خلال 2023، الى انتاج 100 مليار م3 من الغاز موجه فقط للتصدير".و شدّد رئيس الجمهورية أن "الجزائر شريك طاقوي جد موثوق بالنسبة لأوروبا"، منوها، بالأخص "بالشراكة بين الجزائر و إيطاليا". و أعلن الرئيس بالمناسبة عن "استعداد الجزائر للمساهمة في الأمن الطاقوي لشركائنا من الدول عبر تأمين التموين بالمحروقات، خاصة من الغاز الطبيعي".و على نفس الصعيد كشف الرئيس المدير العام لمجمع سوناطراك، توفيق حكار، أن صادرات الغاز الجزائرية نحو إيطاليا سجلت مستوى قياسيا.و قال: "خلال هذا الشهر، حققنا رقما قياسيا في صادراتنا (من الغاز) نحو ايطاليا، رقم لم نسجله منذ سنة 2011. لقد قاربت صادراتنا 97 مليون متر مكعب/يوم نحو ايطاليا"، مضيفا بأن الجزائر تصدر حاليا ما يقارب 27 مليار متر مكعب من الغاز في السنة نحو هذا البلد. و علق الرئيس تبون بالقول بأن الجزائر لا ترى مانعا في رؤية ايطاليا تتحول لمركز محوري لتوزيع للغاز (الجزائري) نحو باقي الدول، و منها ألمانيا.
تعزيز إمدادات التصدير
و يعتبر الخبير الاقتصادي،محمد رابحي، في تصريح لـ"البلاد نت" أن " تصريحات الرئيس تبون تكشف أن الجزائر ماضية في تكثيف استثماراتها في مجال الطاقة عموما و الغاز على وجه خاص"،مشيرا أن "الغاز الجزائري بات مرشّحًا للقيام بدور هام في معركة الطاقة العالمية، والمتأججة على محور أوروبا – روسيا منذ العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا وتأثيراتها على إمدادات الطاقة، حيث تتجه أوروبا تدريجيًا نحو الجزائر للتزوّد بما يلزمها وتعويض النقص الحاصل".و تابع رابحي أن " الجزائر قررت المرور إلى سرعة أقوى لتعزيز نفوذها في إمدادات الغاز حيث ووقعت سوناطراك في الأشهر الماضية، عقودا لتوريد كميات إضافية من الغاز إلى إيطاليا، تصل لـ 9 مليارات متر مكعب سنويا، إضافة لتزويد سلوفينيا بالغاز لأول مرة منذ 2012، بكميات سنوية تفوق 300 مليون متر مكعب.كما أن سوناطراك راجعت أسعار عقود توريد الغاز مع معظم شركائها في أوروبا، وجرى رفعها لتتماشى مع واقع السوق الدولية".
الجزائر ملاذ الأوروبيين
من جهته أوضح الدكتور ،عبد اللطيف بلغرسة، أن "الجزائر استشرفت تداعيات أزمة الطاقة العالمية بتركيز اهتمامها على رفع حجم الاستثمارات النفطية و الغازية لتحتل المكانة التي تستحقها و التي ظهرت للعالم بتحولها إلى الأوروبيين بالتوازي مع إخفاق وزراء الطاقة الأوروبيون خلال اجتماعهم في العاصمة البلجيكية بروكسل في الاتفاق على تحديد سقف لأسعار الغاز، للمرة الخامسة، بعد شهور من الخلافات في جدوى الإجراء في تخفيف أزمة الطاقة بأوروبا".و دعا الخبير في مجال الطاقة إلى "ضرورة مرافقة جهود الجزائر الاستثمارية بدعم البلدان المتطورة من الضفة الشمالية مثلما أكد عليه وزير الطاقة محمد عرقاب وذلك عبر توفير وسائل التجسيد, منها التمويلات الدائمة والمتوقعة و تحويل حقيقي للتكنولوجيا و تعزيز القدرات و مساعدة تقنية فاعلة".و تابع المتحدث أن " تحقيق الأمن الطاقوي يجب أن يمر عبر زيادة حجم الاستثمار و أن يقوم على مبدأ الاستدامة و الأمن للجميع على غرار العرض و الطلب, مع ضمان تموين موثوق و فعال و منتظم للأسواق على المدى الطويل, وكذلك تسهيل و تأمين الاستثمارات و الأسواق, مما سيسمح بإرساء أسس الاستقرار و الازدهار المشترك و المتبادل بين الشركاء".من جانبه رحب الخبير الدولي في الطاقة عبد الرحمن مبتول، بالانجازات التي تحققها شركة سوناطراك في مجالي الغاز و النفط و ربط ذلك بإيجابيات إنشاء المجلس الأعلى للطاقة، الذي من شأنه إعطاء دفعا للاستراتيجية الطاقوية. وأضاف قائلا إن من مهام المجلس التخطيط للإستراتيجية الطاقوية للجزائر التي تتماشى مع التحولات العالمية.
اكتشافات ضخمة
وباتت الجزائر تتصدر الترتيب العالمي في 2022 من حيث الاكتشافات النفطية والغازية بـ11 اكتشافا، وفق ما كشف مدير قسم الاستكشاف بسوناطراك في تصريح للإذاعة الحكومية، تليها النرويج بـ7 اكتشافات، وفق تقارير دولية.و أعلن الرئيس المدير العام للمجمع توفيق حكار اعتزام سوناطراك تكثيف استثماراتها في مجال إنتاج الغاز الطبيعي المميع الخالي من الكربون خلال السنوات المقبلة وأوضح حكار, خلال جلسة استماع نظمتها لجنة الشؤون الاقتصادية والتنمية والصناعة والتجارة والتخطيط بالمجلس الشعبي الوطني, لمناقشة "آفاق تطور مجمع سوناطراك خلال السنوات الخمسة المقبلة", أن التوجه نحو استثمارات جديدة لإنتاج الغاز الطبيعي المميع الخالي من الكربون, يمثل "أحد أهم التحديات التي يواجهها المجمع حاليا, في ظل المتغيرات الدولية الراهنة".وأضاف أنه يتعين على سوناطراك إطلاق استثمارات جديدة لإنتاج الغاز وفقا لمعايير بيئية معينة, من أجل الحفاظ على حصتها وسمعتها في السوق.
