العمرة والحج المميز ... “العدوى” تنتقل للجميع
البلاد - آمال ياحي - احتل موضوع حج الرفاه، واجهة النقاش في السنوات القليلة الماضية، بعد أن قرّر الديوان الوطني للحج والعمرة “استرجاع” عدد لا يستهان به من الحجاج غير النظاميين، الذين اختاروا التنقل في الماضي إلى البقاع المقدسة بطرقهم الخاصة، وبإدراجهم في الكوطة الرسمية، ومنحهم امتيازات نظير دفعهم ما يصل أو يزيد عن 200 مليون سنتيم، فيما تطرح جهات تساؤلات حول المقاييس التي يتم اعتمادها في منح جوازات سفر “المجاملة”، التي أضحت تباع وتشترى في ظل غياب متابعة لهذا الملف المثير للجدل.
لا يزال الرقم الرسمي للحجاج المعنيين بحج “الرفاه “ غير متداول إعلاميا، غير أن كل المعطيات تؤكد أن عدد الحجاج الراغبين في الحصول على خدمات مميزة في البقاع المقدسة في تزايد من سنة إلى أخرى، فيما يطمح الكثير من الحجاج للظفر بعشر ما يحصل عليه هؤلاء المحظوظين، حتى أصبح آداء هذه الفريضة في ظروف “مريحة” على الأقل، هدف كل قاصد للبقاع المقدسة. يؤكد موظف بوكالة “النجاح” للسياحة، تحدثت إليه “البلاد”، أن حج الرفاه كما يطلق على تسميته، وأيضا العمرة المميزة أو نصف مميزة، أضحت موضوع تسابق وتفاخر بين الأشخاص في السنوات الأخيرة، حيث أن فئات واسعة من أصحاب الدخل المتوسط أصبحت لا ترضى بعمرة اقتصادية وتبحث عن خدمات إعاشة وإيواء في مستوى يوفر الراحة في النوم والتنقل، حتى وإن استدعى الأمر الاقتراض من الأهل والأصدقاء من أجل تسديد تكاليف العمرة نصف مميزة بـ40 مليون سنتيم أو أكثر، بحسب متطلبات المعني.
ويضيف المصدر ذاته، بأن الحج المميز هو أيضا “حلم” يغري كافة الحجاج الطامعين في التقليل من مشقة الحج، غير أن ضعف الإمكانيات المادية يحول دون الاستفادة من الخدمات المميزة، وسرد المتحدث عدة مواقف في هذا المقام، منها حالات حجاج غادروا الوطن ضمن البعثة الرسمية، وبمجرد وصولهم إلى الحرم المكي استغنوا عن خدمات ديوان الحج والعمرة وقاموا بتأجير غرف في فنادق راقية بأموالهم الخاصة، مشيرا في المقابل إلى أن الأمور لا تسير دوما كما يشتهي المرء، فحتى أصحاب الحج المميز قد يتعرضون لمواقف صادمة مثلما حصل منذ عامين عندما اضطر هؤلاء إلى السير عشر كليومترات مشيا على الأقدام لأنهم لم يكونوا حاضرين وقت انطلاق الحافلة، ولحسن الحظ أن أصحاب الحج المميز لا يحتكون كثيرا بباقي الحجاج النظاميين في مختلف أماكن أداء الشعائر، أان امتيازات حج الرفاه حتى وإن تمت بإمكانيات الفرد الخاصة فإن الفروقات تخلق دوما الإحساس باللاعدل وعدم التساوي في الفرص.
جوازات سفر “المجاملة” تلغى أو تحدد فيها الأسماء مستقبلا
من جهته، احتج الشيخ علي عية، على حج الرفاه رغم جوازه شرعا، حيث قال إن هذا الحج صحيح، لكن الأصل في المسألة الاقتداء بالصحابة والعلماء الذين كان بعضهم من فئة ميسوري الحال وأوضاعهم المادية تتيح له تأدية هذه الفريضة دون تعب، غير أنهم آثروا تحمل المشقة التي تقربهم من الله على الراحة التي تفقدهم حلاوة هذه العبادة المصنفة في مرتبة الجهاد.
وانطلاقا من تجربته الخاصة، يشير الإمام إلى أن حج الرفاه لم يكن معروفا في السابق إلا أنه أصبح ظاهرة في السنوات الأخيرة، سواء في الجزائر أو خارجها بعدما طغى المال على جوهر الفريضة، وهو ما يتناقض مع روح هذه العبادة التي تجعل الناس كلهم سواسية ولا تفرق بين الغني والفقير، وبين القوي والضعيف طيلة أيام الحج، حيث تذوب كل الفوارق الاجتماعية هناك. وعاد المتدخل إلى موضوع جوازات سفر “المجاملة” المثير للجدل، واعتبر أن السلطات مدعوة إلى مراجعة طريقة توزيع هذه الجوازات التي تمنح في العادة لموظفي الدولة وممثلي المجالس المنتخبة وغيرهم من المسؤولين في مختلف الهيئات، والمشكل القائم أن هذه الجوازات لا تصدر بأسماء الأشخاص ما يجعل التلاعب بها وانتقالها من يد إلى يد باستخدام المحاباة والرشوة أحيــانا ممكنا وهو أمر غير مقبـــول ويمس مباشرة بقيمة هذه الفريضة، علاوة على كون عدد هذه الجوازات غير معلوم تمامـــا مثلما نجهل دوافع تداولها بهذا الشكل أي بدون اسم، والأصـــل أن توضح شروط الاستفادة منها وأن توجه لمستحقيها في شفافية تامة.
حج vip مبرره “الارتباطات” وليس التميز
ويرى رئيس النقابة الوطنية للوكالات السياحية، إلياس سنوسي، أنه خلافا للاعتقاد السائد بأن الحاج الذي يختار الخدمات المميزة في الإعاشة والنقل والإيواء هو حق لا نقاش فيه طالما أنه سدد التكلفة من جيبه، موضحا بأن رجال الأعمال وأصحاب المشاريع يختارون هذه الصغية لأنها تمكنهم من الحج في فترة لا تتعدى الـ15 يوما، وبالتالي بمقدورهم العودة إلى التزاماتهم، بينما يمكث باقي الحجاج فترة أطول تصل إلى الشهر بسبب ترتيبات يفرضها البلد المستقبل لها صلة ببرنامج رحلات الذهاب والإياب من البقاع المقدسة.
وحسب المسؤول النقابي ذاته، فإن الحج المميز الذي يعرض خدمات خاصة تسهل على الحاج إقامته في الحرم المكي تجاوز تكلفته لهذه السنة 200 مليون سنتيم مقابل سعر 56 مليون سنتيم التي يطالب بدفعها الحاج وفق الصيغة العادية، ولكن تميز الخدمات ليس في الفندق والأكل فقط، ولكن ثمة خصوصية ثانية تتعلق بوسائل النقل والمسالك المؤدية من وإلى الحرم المكي، والتي يتم تأجيرها حتى تجنب الحاج الزحمة التي تميز المكان بفعل تعداد الحجاج الذي يقدر بالملايين.
وقد وصلت حصة حج الرفاه لهذا الموسم المئات، رغم أنه لا توجد إحصائيات رسمية بهذا الخصوص، غير أن الملاحظ أن عددها في ارتفاع إذا ما قورن بالعمرة المميزة التي لا يعرف ثمنها سقفا معينا ويخضع لطبيعة الخدمات التي يطلبها المعتمر، لكن اللافت في السنوات القليلة الماضية تراجع نسبة المعتمرين وفق الصيغة الاقتصادية بسبب القيود الضريبية التي فرضتها المملكة عن كل عمرة يؤديها الفرد في السنة الهجرية نفسها، والبالغة ألفين ريال، أما العمرة المميزة فهي قليلة المطلب هذه الأيام حتى تكاد تنعدم بسبب الوضع الاقتصادي العام للبلاد، وتدهور القدرة الشرائية للمواطن على وجه الخصوص.