يصعب تصنيف أويحيى.. ويصعب الحكم عليه أو له بكلمة واحدة.. أو بوصف واحد.
أولا لأنه رئيس حكومة.. وهو بهذه الصفة يمثلنا جميعا.. شئنا أم أبينا.. وكلامه مثل أفعاله تحسب لنا أو علينا. وثانيا.. لأنه يحسن الإفلات من قبضة منتقديه في كل مرة.. ويجيد تخريج أخطائه إن وجدت.. وقل ألا يجد مسربا يتسلل من خلاله. وثالثا.. لأنه يتماهى بين الدولة والحزب.. وبتعبير أدق بين الحكومة التي يرأسها والحزب الذي يتولى أمانته العامة.
ورابعا.. لأنه يملك نوعا من الجرأة.. تحفزه على قول أي شيء.. حتى أن يكون كلاما غير معقول سياسيا وأخلاقيا.
من هذا المنظور يمكن فهم وتحليل مداخلة أويحيى في “منتدى باريس حول السلام”.. المنعقد بمناسبة الذكرى المئوية الأولى لنهاية الحرب العالمية الأولى.. والتي سجلت عليه أكثر مما سجلت له. الخطيئة الأولى ـ بمنطق الدولة وليس الشخص ـ.. أن يخاطب الحضور وهم رؤساء دول وحكومات وشخصيات عالمية بالفرنسية.. وهو يمثل دولة ينص دستورها على أن اللغة العربية هي لغتها الرسمية.. وليس الفرنسية أو أي رطانة لغوية أخرى.. فالدوس على الدستور بهذا الأسلوب الفج .. يقدم انطباعا بأن الجزائريين في أعلى مستويات السلطة لا يقيمون اعتبارا لشرف دولتهم وقوانينها ومكانتها.. وإن بإمكانهم أن يذهبوا بعيدا في الإساءة إليها.
الخطيئة الثانية.. هي التماهي في خطاب المستعمر.. بالقول إن ملايين الشهداء.. كانوا مجرد قتلى.. ومن يدري فقد يطلع علينا غدا من يصفهم بالإرهابيين.. فكل شيء ممكن.. وعجائب هذا الزمن لا حد لها.. وقد يرددون بلسان المستعمر نفسه.. أن الثورة مجرد أحداث.. أي “أحداث الجزائر” كما يسمونها.
الخطيئة الثالثة.. أن يتحول الفرنسيون إلى أصدقاء من الدرجة الأولى.. ويعطون الحظوة في كل شيء.. ويصار إلى تلبية طلباتهم ودعواتهم.. وهل مشاركتهم الاحتفال بمئوية الحرب العالمية الثانية إلا صورة لهذا الاستجداء والتبعية.. ونحن نعلم أن دماء كثير من الجزائريين.. سالت من أجل تحرير فرنسا نفسها.. فهل يحظى أولئك الشهداء بلفتة معنوية بمناسبة هذه المئوية التي لا تعنينا؟
في ضوء ما ذكرت.. هل نرى ما صدر عن أويحيى مجرد أخطاء.. أو زلات لسان غير محسوبة.. عن حسن نية طبعا.. أم هي تكريس للاستلاب والتجاوز والإنكار.. مما لا يحسن برئيس حكومة أن يقع فيه؟