الجزائر تشتري من السوق الدولية نصف مليون طن من القمح وعلف الشعير.. بسعر يقترب من 200 دولار للطن الواحد.. عند البعض يبدو الخبر روتينيا.. دولة تشتري قمحا من الخارج.. ودولة تبيعها هذا القمح.. تبادل منافع ليس إلا.. فما الضير في ذلك؟!
يصدق هذا الحكم.. لو كانت الدولة المشترية.. تفعل العكس هي أيضا.. بمعنى أنها تبيع لغيرها ما تنتج.. فيقع التبادل في نطاق المصالح المشتركة.. فأنت تبيع وتشتري.. وإذا كنت حريصا على مصالحك أكثر.. فسوف تبيع أكثر مما تشتري.. لتحقق فائضا في ميزانك التجاري.. وتقوى عملتك المحلية.. وترخص الأسعار.. ويستفيد المستهلك.. وتنشط حركة الاقتصاد بكامل مركباته.. أما أننا نشتري كل شيء.. بما في ذلك القمح الذي نأكله.. وهو المادة الغذائية الأساسية في حياتنا نحن الجزائريون.. ولا نبيع شيئا سوى النفط الذي تتآكل أسعاره.. فالموضوع برمته يصبح معادلة من طرف واحد.. لأن الطرف الثاني غائب أصلا.
نحن إزاء حكومة جديدة.. ستنبثق “نظريا” من نتائج انتخابات الرابع من ماي 2017.. لا أتحدث هنا عن حكومة أغلبية.. كما هو الشأن في الديمقراطيات العريقة.. بل عن حكومة ستتشكل وفق محاصصة خاصة.. لا دخل للنواب فيها.. قد تكون خليطا فسيفسائيا أو أي شيء شبيه لذلك.. ليتوزع دم الاقتصاد الجزائري على القبائل الحزبية وغير الحزبية.. وينسى الجميع.. أننا نستورد ما نأكل ونلبس ونضع في أرجلنا.. وما نسمع ونرى “نصف مليار دولار مستوردات هواتف محمولة ولواحقها”.. وما نركب ونعالج ونلعب.. باختصار ما نحن بحاجة إليه.. لنبقى أحياء على قيد السياسة.
فماذا تملك الحكومة المرتقبة أن تفعل.. لتصحح الخلل الكامن في عقولنا وضمائرنا المتفسخة؟ نحن نريد حكومة تبيع للخارج.. ولا تشتري منه إلا في أضيق نطاق.. حكومة تلعب بذكاء مع الشركاء الأجانب.. ولا يُلعب بها.. تضع حدا لعبث المستوردين.. الذين أغرقونا في “الخردوات الصينية”.. وأغرقوا حساباتهم في الخارج بملايين الدولارات.. حكومة تصرخ “قفوا”.. لم يعد ثمة مزيد من الوقت والمال والعبث.
عندما تقف أمام مريض يُحتضر ولا تستطيع إنقاذه.. قد تذرف دمعة حارة.. لا على الميت بل على عجزك!
