هل المبدع.. بحاجة إلى من يدافع عنه؟

أن تصريح بوجدرة قبل أيام.. بأن قضيته “مطروحة أمام العدالة وتأسس فيها ثلاثة عشر محاميا تطوعوا للدفاع عنه”.. يعيدنا إلى نقطة الصفر..

نعود قليلا إلى قضية يكون قد تجاوزها كثيرون.. وأسالت يومها حبرا كثيفا وكلاما كثيرا.. وقيل ما قيل بشأنها عن الكاميرا الخفية.. وعن هؤلاء الذين يفتشون في ضمائر الناس.. ليخرجوا ما فيها من كفر وإيمان.. يومها تعرض القاص رشيد بوجدرة لاختبار من نوع غير مألوف.. ظهر فيه ضعيفا ومضطربا.. كمركب تعطلت بوصلته وسط أمواج المحيط.

 لا علينا.. اعتقدنا حينها أن القصة قد انتهت بكل ارتداداتها.. وتوقعنا أن يطلع علينا بوجدرة بكتاب ـ أو بمقال على الأقل ـ عن الإيمان والضمير والحرية.. إن كان الأمر يستدعي ردا أصلا.. فقد يصمت الكبار عادة.. أنفة عن النزول إلى الأشياء الصغيرة.. فليس أصغر من لعبة أطفال تسمى “الكاميرا الخفية”.

غير أن تصريح بوجدرة قبل أيام.. بأن قضيته “مطروحة أمام العدالة وتأسس فيها ثلاثة عشر محاميا تطوعوا للدفاع عنه”.. يعيدنا إلى نقطة الصفر.. إلى حيث كان يجلس بوجدرة قبل استنزافه في تلك الحادثة.. وتحويله إلى رقم ضئيل للغاية.

  في أروقة المحاكم.. سيؤتى بالمتهمين والضحية معا.. ولا ندري إن كان بوجدرة سيحضر أم يتوارى.. تاركا المهمة للدفاع.. والحكاية برمتها ستتحول من الفكر إلى القانون.. ومن لعبة صغيرة إلى غرامات وربما سلب حرية.. في ضوء ما سينطق به قاضي الحكم.

 تحضرني هنا حادثة مماثلة.. سيق بسببها المؤرخ الجزائري رابح بلعيد رحمه الله إلى المحكمة.. لأنه تجرأ وكتب كلاما خرج عن سياق تقديس ثورة التحرير.. وذكر مصالي الحاج بغير اللغة المعتادة.. بشأن موقفه من الثورة.. يومها أدركنا أن نقل التاريخ إلى المحاكم.. يعني ذبحه هناك.

اليوم.. وبرغبة أو قبول مبدئي من الروائي بوجدرة.. تُجر مسائل تتعلق بالجدال الفكري وحتى الأيديولوجي إلى المحاكم.. لتُحسم بلغة القانون والأحكام.. بدل أن تتجلى في فضاءات أخرى.. تكون أكثر انفتاحا على أفكار الآخر ومعتقداته.. والسؤال: ما الفرق بين من قتلوا مفكرين بسبب أفكارهم.. وبخلفية فهم أخرق للدين.. ومن يجر مخالفيه ـ حتى وإن أساؤوا إليه بصورة أو أخرى ـ إلى قفص المحاكم.. ومنه إلى قفص السجون إن أمكن؟

لا أظن الفرق يتعدى شكل الموضوع .. أما على مستوى المضمون.. فكل فريق يصادر مخالفيه.. في حدود ما يملك من وسائل تدمير خشنة.. وعند هذا الحد يفقد المبدع الذي لا يزال يتغنى بفرادته.. آخر ما في جعبته من قوة ناعمة.. فالمبدع ليس بحاجة إلى من يدافع عنه.. بل بحاجة إلى مستضعفين يدافع عنهم.

 

 

 

مقالات الواجهة

الأكثر قراءة

  1. "التاس" تصدر بيانا حول قضية إتحاد العاصمة ونهضة بركان المغربي

  2. أمطـار غزيــرة عبر 5 ولايات

  3. امتحان تقييم مكتسبات التعليم الابتدائي بـ 6 مواد فقط

  4. منذ بدء العدوان.. إرتفاع حصيلة شهداء غزة إلى 34596 شهيد

  5. التوقيع على عقود عمل في الشركة الصينية " سي آر آر سي " المُكلفة بإنجاز خط السكة غار جبيلات - بشار

  6. وزارة الطاقة والمناجم: نتائج استكشاف "الليثيوم" في الصحراء ايجابية

  7. والي وهران : استحداث 12 ألف منصب قريباً في مشروع البتروكيماويات الضخم في أرزيو

  8. حتى لفظ أنفاسه الأخيرة.. فيديو لأب يجبر ابنه الصغير على الركض

  9. بعد 12 عامًا.. بوروسيا دورتموند يعلن رحيل ماركو رويس

  10. الفنانة بهية راشدي تكشف إصابتها بالسرطان