مُعارض يصف المعارضة المنضوية تحت لواء ”تنسيقية الانتقال الديمقراطي”.. بأنها تقترب من خيانة المشروع الذي بدأته مع بعضها.. لأنها بتقديره تسعى ”لتهمل مشروعها الوحدوي من أجل الانضواء في منطق النظام نفسه”.. وعنده أن الأطراف الثلاثة للمعادلة: الشعب والسلطة والأحزاب.. تلعب كلها خارج الواقع.. سواء بالقفز عليه أو بالانسحاب المباشر منه.. أو بالسعي لتطويعه.. فلا أحد في نظره يمتلك رؤية أو مشروعا لإعادة تأسيس واقع جديد.. يختلف تماما عن الواقع القائم.
ومصطلح الخيانة - كما ورد على لسان المعني - قد يقود إلى مقصلة التاريخ.. ومن طبيعة التاريخ أنه لا ينسى.. وضحاياه هم في العادة أولئك الذين يتحركون ضد تياره.. فلا يتسنى لهم مراجعة إحداثياتهم.. إن كانت في الموقع الصحيح أم لا.. وبالمثل فإن إصدار الأحكام أمر سهل للغاية.. إذ يكفي أن تخط مسافة معينة بينك وبين خصومك.. لتطلق عليهم النار.. وتنهي المشكلة.
ما لا يريد هذا المعارض الانتباه له.. أن صك البراءة يستثنيه هو أيضا.. بما يجعله مشمولا في دائرة المتهمين.. ولا يجدي نفعا أن يقول ”أنا أقاطع الانتخابات ”أو بتعبيره هو ”لا بد من اكتساب ثقافة المقاطعة الإيجابية التي لا تهمل السياسة وتعمل على التغيير”.. وهذا مصطلح جديد يزج به في معركة وهمية.. إذ كيف تقاطع وتكون إيجابيا.. إن كنت تعلم أن الانسحاب هو إخلاء للموقع الذي يملؤه غيرك وليس إعادة تموضع.. هروب بطريقة لبقة وليس مواجهة.. قفز على الواقع وليس استجابة له.
يقيني أن هذا المعارض.. لو امتلك حزبا وقاعدة نضالية واسعة.. وأملا في اقتطاع حصة من كعكة المجلس الشعبي الوطني.. فإن المعارضة الإيجابية.. ستتحول عنده إلى فلسفة مشاركة.. تحت طائلة أن العضو الذي لا يُستخدم يضمر ويتلاشى.
من السهل التنظير من حالة فراغ.. أو التنظير من دون شيء تخسره.. حيث تكون في حل من أمرك.. إذ يمكنك الإعلان عن حل الحزب.. أو الانخراط في جوقة صاخبة.. أو العبور إلى ضفة خالية للاسترخاء.. لكن من الصعب لمن يؤمن بالمواجهة.. أن يقرر الانسحاب.
في الحالة التي يرسمها المعني.. يمكن إنشاء واقع افتراضي لا نظير له.. وتحديد سلالة الكائنات التي تعيش فيه.. والنظريات التي تصلح لإدارته.. ونوع المشروع الورقي الذي يستوعبه.. لكن من قال إن السلطة تعارض واقعا.. يستوي فيه الوجود والعدم.