الدكتور محيي الدين عميمور: لماذا تكثر الاستفزازات المغربية منذ رفع علم الكيان الصهيوني رسميا في القطر الشقيق.؟

كتب الوزير السابق للإعلام والثقافة ومدير الإعلام في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين، الدكتور محي الدين عميمور، مقالا في موقع "الجزائر الآن" تطرق فيه إلى قضية الأزمة التي افتعلها النادي المغربي نهضة بركان خلال مباراته أمام اتحاد العاصمة والتي حاول فيها ادخال أقمصة تحمل خريطة تضم الأراضي العربية الصحراوية المحتلة.

المقال الكامل للدكتور محي الدين عميمور:

خلال عملي سفيرا في باكستان كنت أقيم حفلات عشاء للرفقاء من السفراء يحضرها عدد من المسؤولين المحليين والمثقفين والإعلاميين.

وكنت أحرص على عدم تقديم لحم البقر للمدعوين إذا كان من بينهم من ينتمي إلى بلدان تعطي البقر قداسة خاصة.

وكنت في ذلك متأثرا بكثير سمعته، وبفيلم “ثمانون يوما حول العالم” وما حدث للخادم “باس بار تو” (PASSE PAR TOUT) عندما حاول ضرب بقرة كانت ستلتهم خضروات يعرضها أحد الباعة، فالتف حوله القوم وكادوا يفتكون به.

وكان المهم في كل هذا درسا بسيطا يقول إن عليك أن تعرف ما يراه أهل بلد معين تزوره قبل أن تفعل ما قد يرونه مساسا بما درجوا عليه وآمنوا به، بدون أن تكون مضطرا بالطبع لتنفيذ المقولة الشهيرة عن فعل ما يفعله الرومان عندما تكون في روما.

وكمثال آخر، كلمة “اللبؤة” في الجزائر وربما في المغرب العربي كله تعتبر تكريما للمرأة واعتزازا بها، لكنها تعتبر في مصر إهانة. 

لكنك لو نشرت في صحيفة مشرقية صورة لراقصة من الدرجة العاشرة وكتبت تحتها هذه الكلمة لرفعت الراقصة عليك قضية قذف وتشهير.

وقد يحدث لك ما لا تُحمد عقباه إذا سرتَ في مصر حاملا لافتة تقول “حلايب” سودانية، وربما العكس في السودان، ولن أتحدث عن مشاكل الجزر، سواء الطومب الكبرى أو الصغرى أو تيران وصنافير.

ولو سارت مجموعة شباب مغربي في شوارع مدينة سبتة ورفعت لافتات تنادي بمغربية المدينة لهاجمتها الشرطة الإسبانية بتهمة تعكير الصفو العام.

وعلى ذكر الجُزُر، أتذكر عندما أرسلت الرباط في يوليو 2002 عددا من رجال الدرك المغاربة للتموقع على جزيرة ” برخيل” (بقدونس بالإسبانية) الواقعة على بعد مائتي متر أو أقل بقليل من الشاطئ المغربي ضمن حدود المياه المغربية، وكانت مدريد والرباط  قد اتفقتا على عدم استغلال الجزيرة التي تحتلها إسبانيا. 

لكن الخطوة المغربية أثار غضب إسبانيا، فركبها الجنّ الأزرق ( ولا أدري لماذا يستعمل صفة الأزرق في الإشارة إلى الجن، ولا أظن أن لذلك علاقة بلون علم الكيان) واعتبر العقلاء العملية استفزازا بدون طائل واستعراضا غير متروٍّ للعضلات، حيث كادت تتسبب في اندلاع حرب بين البلدين  لولا الانسحاب السريع بدون قيد ولا شرط للأشقاء من الجزيرة.

وأتذكر أنني كتبت منددا بالموقف الإسباني ( الشرق الأوسط 26 يوليو 2002 وتحت عنوان “ليلى وأكثر من قيس”) ومؤكدا إيماني بمغربية الجزيرة التي حُرّف اسمها فأصبح “ليلى” (وأصلها بالإسبانية “La Islas”) وقلت حرفيا ما رددناه جميعا في الجزائر من أن الجزيرة مغربية ولو احتلها الأسبان في عهد آدم وحواء (والغريب أن كتابات مغربية قالت أننا أيدنا الأسبان).

 وحدثت قضية مشابهة مع الخرائط، عندما سعدتُ باستضافة فريق من التلفزة السعودية سجل معي حصتين تحت عنون “مخيال”، وكانت المقدمة الموسيقية تحمل عدة رسوم كان من بينها خريطة “دولية” للشمال الإفريقي، وظهرت خريطة المملكة المغربية يفصلها عن الصحراء الغربية خط أفقي مُرقّط، وهي الصورة الدولية المعروفة.

وفيما علمت، فقد تلقت التلفزة السعودية احتجاجات شديدة اللهجة اضطرتها إلى محو الخط الدولي، في تناقض مع كل الخرائط الدولية التي لا تعترف للمملكة بأي سيادة على ذلك الإقليم، وتم ذلك فعلا، وأعترف أنني ضحكت عندما نُقل إليّ ذلك، لكنني لم أحتجّ انطلاقا من إدراكي بأن من كل بلد أن يتخذ من الإجراءات ما يراه فيما يتعلق بسيادته.

لكن القضية عادت بشكل أكثر غرابة في الجزائر، التي لا يشك في تمسكها المطلق بكل عناصر سيادتها إلا من أصابه “ألزهايمر” سياسي.

كانت الجزائر قد استكملت استعداداتها لاحتضان مباراة كرة بين فريق جزائري وفريق مغربي، ولأنها حريصة على كل ما يحقق الوئام بين الشعبين الشقيقين فقد اتخذت قرارا بفتح أبواب أكبر ملاعب الجزائر مجانا للجماهير، حيث كانت فرصة لتنتصر الرياضة على السياسة، لكن ما حدث هو اعكس.

فقد وصل الفريق المغربي إلى الجزائر وتم استقباله على أحسن ما يكون، لكن شيئا غريبا أثار الانتباه، وهو أن الفريق قرر استعمال قميص يختلف عن القميص المألوف الذي كان يرتديه في مباريات سابقة، والصور موجودة.

وكان القميص الجديد يحمل صورة خريطة للمملكة المغربية وقد ضمت إليها بالكامل منطقة الصحراء الغربية.

كان المسؤولون في المغرب يعرفون بدون شك أن الجزائر تعترف بالجمهورية العربية الصحراوية التي هي عضو مؤسس في الاتحاد الإفريقي، ولديها علاقات دبلوماسية كاملة مع 93 دولة في العالم، ويعرفون الأمم المتحدة ما زالت تعتبر الصحراء الغربية قضية تصفية استعمار، ولا يوجد أي قرار دولي يعترف بحق المملكة المغربية في أي سيادة على الصحراء، تماما مثل قررت ذلك محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري المعروف، وهو ما تثبته طوابع البريد التي أصدرتها المملكة نفسها.

وكنا نحن نعرف أن خريطة الدول المنظمة لكأس العالم المشتركة بين المغرب واسبانيا والبرتغال تتضمن صورة المغرب المعترف بها دوليا وبدون الصحراء الغربية، ومن هنا ثار أكثر من تساؤل .:

لماذا أمر الفريق بوضع الخريطة المشوهة للحقيقة التاريخية والدولية على أقمصة أعضائه، وبشكل مفاجئ، حيث لم تنشر دوليا صورة واحدة لهذا القميص قبل المباراة؟ ولماذا يستعمل هذا القميص على وجه التحديد في بلد يعترف علانية بوجود الدولة الصحراوية ؟

وكانت الإجابة الأولى أن العملية محاولة استفزازية لإحراج الجزائر، حيث أن قبولها لشارة تتناقض مع قرارها السيادي هو إهانة لا يمكن أن تغتفر للمصالح التي تسمح بهذا، وعقابها يندرج في منطق الخيانة العظمى للمبادئ التي نعرف أن كثيرين، في عهد التطبيع، يعتبرونه “موضة” قديمة تجاوزها الزمن.

وكان القرار السيادي أنه لن يسمح لهذا القميص بالوجود تحت سماء 5 يوليو، وأيا كانت النتائج.

وحاول المنظمون إقناع مسؤولي الفريق الزائر بأن وجود هذه الخريطة على صدر اللاعبين في الجزائر استفزاز للجمهور الجزائري لا مبرر له، ويجب ألا يُستبعد إفلات مجموعات من المشجعين لنزع أقمصة الفريق المغربي عنوة، وما يمكن أن ينتج عن ذلك من شجار لن يكون بالورود.

ووضع الأمر بوضوح وبكل أخوة أمام قيادة الفريق المغربي الذي اعتذر بأن تلك هي الملابس الوحيدة التي يملكونها، وعرضت عليهم ملابس أخرى ليختاروا منها ما يريدون، لكن الفريق المغربي رفض الدخول إلى الملعب، بينما دخل الفريق الجزائري وظل على أرضية الملعب خلال الفترة الزمنية التيتنص عليها قوانين الكرة.

وأمام رفض الفريق المغربي المتعنت لدخول الملعب برز استنتاج أخر يعطي للاستفزاز أبعادا بالغة الخطورة.

فالملعب يغص بالمشاهدين المتحمسين الذين كانوا ينتظرون منذ ساعات وساعات مباراة شيقة، فكيف يكون الأمر إذا فوجئوا بإلغاء المباراة؟

وكان الاستنتاج الذي لا مفر منه هو أن من خطط لهذا الأمر كان يأمل في أن يشهد أكبر ملاعب الجزائر فوضى غاضبة لعشرات الآلاف ممن خاب أملهم، وقد يحاول البعض الاعتداء على اللاعبين، وهو ما قد يعني مواجهات مع الأمن، وكلها أمورا تعرف بداياتها ولا يمكن التحكم في نهاياتها.

لكن يبدو أن البعض لا يعرف الجزائر، وخصوصا من خططوا لما حدث، سواء كانوا من أبناء الجوار أو من “أبناء العم”!!!.

فقد خرج الفريق المغربي إلى المطار في حماية أمنية لم يكن في حاجة لها، لأن الجماهير التي كانت تتابع خروجه من الملعب كانت ترمقه بالكثير من الرثاء، وربما ببعض الاحتقار.

وتفهمت الجماهير الجزائرية ما حدث وخرج عشرات الآلاف من الملعب بكل هدوء كما دخلوه، وأضاع المغرب فرصة أخرى لمحو المآخذ التي تحملها قائمة العلاقات بين البلدين.

لكنني، للأمانة، أبرّئ اللاعبين وقادة الفريق من مسؤولية ما حدث، وأحمّل المسؤولية الكبرى لما يُطلق عليه “السوسة المدسوسة”، ودليلي في ذلك ما حدث منذ عدة سنوات عندما ألقى العاهل المغربي خطابا العرش الذي تحدث فيه عن إنجازات كبيرة حققها المغرب في مجال التنمية، مضيفا بأن ذلك تم في حين أن المغرب “لا يملك غازا ولا بترولا” !!!.

وكانت الغمزة واضحة ورخيصة، لكنني قلت يومها أن الملك لا يكتب خطبه بنفسه، وأن هناك في القصر الملكي من يعمل لحساب توجهات عدائية، فيدس في الخطب الرسمية عبارات مسمومة قد لا يلقى لها المسؤول السامي بالا لكنها تسيئ إلى أواصر الأخوة وتثير الشكوك في مراميها.

وما يحدث مع الخطب يمكن أن يحدث مع بقية التصرفات، ومنها ما عرفه ملعب 5 يوليو في قضية القميص الكروي المشبوه.

وأنا لست خبيرا بقوانين كرة القدم لكنني أتخيل موقف الأشقاء في المغرب إذا ارتدى لاعب، جزائري أو غير جزائري، قميصا يعمل خريطة “دولية” تعطي لونا خاصا للصحراء الغربية، يختلف عن اللون الذي يُعطى للمملكة وبقية بلدان المغرب.

ويبقى التساؤل الذي لا أجد جوابا مقنعا عليه.

لماذا تكثر الاستفزازات المغربية منذ رفع علم الكيان الصهيوني رسميا في القطر الشقيق.؟

مقالات الواجهة

الأكثر قراءة

  1. وزارة الطاقة والمناجم: نتائج استكشاف "الليثيوم" في الصحراء ايجابية

  2. الجنائية الدولية تحذر من يهدد موظفيها بالإنتقام

  3. بعد 12 عامًا.. بوروسيا دورتموند يعلن رحيل ماركو رويس

  4. استقبال الجرحى في الجزائر : سفير دولة فلسطين يثمن موقف دولة الجزائر المساند للفلسطينيين

  5. إجلاء أطفال فلسطينيين جرحى من مصر إلى الجزائر

  6. انطلاق عملية تحضير مواضيع امتحان شهادة البكالوريا دورة 2024

  7. الاحتجاجات الطلابية بالولايات المتحدة تمس أكثر من 120 جامعة أمريكية و ما يفوق 2000 معتقل