السلمية التي أسقطت نظام بوتفليقة وأنقذت الجزائر

عندما انتصر الجيش للشعب في حراك تاريخي

الحراك الشعبي
الحراك الشعبي

البلاد - بهاء الدين.م - في 22 فيفري من السنة الماضية، استفز الرئيس بوتفليقة ومحيطه الجزائريين، بإصراره على الترشح لعهدة خامسة على التوالي وهو في حالة صحية حرجة، فخرج طوفان بشري إلى الشارع رفضا للخطوة.  أسابيع قليلة من الاحتجاجات، كانت كافية لإنهاء حكم استمر 20 عاما للرئيس المخلوع، عبد العزيز بوتفليقة، الذي اضطر للاستقالة تاركا البلاد في حالة هي خليط من الغليان والفلتان، قبل أن يتمكن الجيش الذي اصطف مع الشعب من السيطرة على الوضع بتأمين الحراك وحماية سلمية المتظاهرين والحفاظ على المسار الدستوري الذي توج بتنظيم رئاسيات أعادت الروح لمؤسسات الدولة. 

وسيظل تاريخ 22 فيفري محفورا في ذاكرة كل الجزائريين، حيث شكل انطلاقة لحراك شعبي قلب الموازين، كانت شرارته الأولى إصرار الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة على الترشح لعهدة خامسة، في ظل أزمة اقتصادية نتجت عن تهاوي أسعار النفط، المورد الأول للاقتصاد الوطني. فمنذ 22 فيفري 2019، يتواصل هذا الحراك الشعبي الذي يستمد صلابته ويشحذ قوته من عاملين أساسيين: سلميته التي أبهرت الجميع والتي تمكن من الحفاظ عليها حتى مع مرور الوقت، وإلحاحه على النأي بالوحدة الوطنية عن كل الاختلافات والانشقاقات. 

فعلى مدار سنة كاملة من المسيرات الشعبية السلمية، خلقت الجماهير ديناميكية جديدة أفرزها الوعي الجماعي الذي جعل كافة المطالب تأخذ اتجاها واحدا يمثل أولوية المرحلة: ‘’التغيير الجذري”، تمهيدا لـ«الانتقال الديمقراطي والإصلاح الشامل”.  ورفع هذا الحراك السلمي سقف مطالبه عاليا، فمن اعتراضه على ترشح الرئيس السابق، ارتقت هذه المطالب إلى مشروع سياسي يرتكز على تغيير النظام ومحاربة الفساد بكل أشكاله ومحاسبة كل من كانت له يد في نهب أموال الشعب وتهريبها الى الخارج، أي باختصار التأسيس لجزائر جديدة لا مكان فيها للممارسات السابقة التي أدت إلى بتر الثقة بين الحاكم والمحكوم، وكل ذلك استنادا إلى المادتين 7 و8 من الدستور المكرستين لسيادة الشعب.

وأدرك الشعب الجزائري بعد إلغاء بوتفليقة أو من يحكم بالوكالة لترشحه للانتخابات، مدى فاعلية حراكه السلمي الذي تعهد الجيش بحمايته وكيف كان له الأثر في تطوير مطالب الشعب لتتسع إلى المطالبة بتغيير النظام القائم من جذوره. وأدرك الشعب بعد انتصاره في جولته الأولى مع نظام بوتفليقة أن سلمية الحراك هي السلاح الفعَّال الذي به غيّر قرارات مصيرية بالداخل وأكسبه تعاطفا واحتراما وتقديرا بالخارج.

الجيش يتعهد بحماية المتظاهرين

وفي عز الحراك الشعبي، كثف نائب وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الفريق الراحل أحمد ڤايد صالح، من خرجاته الميدانية بالنواحي العسكرية، مشددا على أن “قرار الجيش الوطني الشعبي بخصوص حماية الشعب قرار لا رجعة فيه ولن يحيد عنه أبدا ومهما كانت الظروف والأحوال”. ويصر قايد صالح: “إننا على يقين بأن الشعب الجزائري الأبي والمتحضر قادر على رفع كافة التحديات والتغلب على كل الأزمات”. وواصل: “لقد تطرقت في مداخلتي يوم 30 مارس 2019 إلى الاجتماعات المشبوهة التي تُعقد في الخفاء من أجل التآمر على مطالب الشعب وعليه أوجه آخر إنذار لرئيس دائرة الأمن والاستعلام سابقا، وفي حالة استمراره في هذه التصرفات، ستتخذ ضده إجراءات قانونية صارمة”. وأكد رئيس الأركان: “أتمنى أن يلقى هذا النداء الصدى المنشود لدى كافة مكونات شعبنا الأبي، لأنه صادر عن القيادة العليا للجيش الوطني الشعبي، انطلاقا من وفائها لرسالة شهداء الثورة وشهداء الواجب الوطني.

 “جيش شعب خاوة خاوة”

ويؤكد أستاذ العلوم السياسية، جلال مناد، في تصريح لـ«البلاد”، أن “النظام السياسي السابق بكل تجلياته عمل على تدجين كل الفواعل السياسية وإفراغها من محتواها من خلال خلق شبكة زبائينية قوامها الزبون السياسي، فصرنا نرى واقعا الحزب السياسي الزبون والجمعية الزبون وحتى المترشح الزبون، كلها تقوم بأدوار مريبة من أجل التمكين أكثر لذلك النظام السياسي، وهذه الحالة كانت من أشد أسباب حراك 22 فيفري”. وأضاف المحلل السياسي أن “مؤسسة الجيش الجزائري لم تخضع للمعادلة السابقة، وكانت كمؤسسة جمهورية اتّخذت مسارا صحيحا بعيد عن كل التجاذبات السياسية وعن التورط في الممارسات المشينة للنظام السياسي السابق، ممّا جعلها مؤسسة متماسكة تعمل لصالح الجزائر وفقط، لذلك رافقت الهبة الشعبية مجسدة أن الجيش جيش الشعب لا جيش النظام السياسي بوجهه السلبي، فكانت المرافقة للحراك من البدايات وتجلى ذلك من خلال الشعارات التي كان يرددها المتظاهرون في العاصمة وفي كل ولايات الجمهورية “جيش شعب خاوة خاوة”“.

المسار الدستوري

ولم تكن رئاسيات 12 ديسمبر الماضية عادية البتة، ليس فقط لكونها جاءت بعد أحداث متسارعة أدت إلى تأجيلها مرتان، بل أيضا بالنظر إلى المستجدات التي أحاطت بها، وأهمها إنشاء السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات وتعديل قانون الانتخابات.  فبعد موعدها الأول، 18 أفريل، الذي كان قد أعلن عنه الرئيس السابق بوتفليقة قبل اضطراره للاستقالة تحت ضغط الشارع واستخلافه من طرف رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح، وفقا لأحكام الدستور، تم تحديد الرابع من جويلية كتاريخ ثان ألغي هو الآخر بسبب “استحالة إجرائها”، حيث كان المجلس الدستوري قد قرر رفض ملفي الترشح المودعين لديه مع إعادة تنظيمها من جديد في حالة غير مسبوقة لم يتطرق لها القانون الأسمى للبلاد، مما دفع إلى الاستناد إلى روح الدستور للبت في هذا الوضع.  وبالموازاة مع ذلك، قرر رئيس الدولة بن صالح استحداث هيئة وطنية للوساطة والحوار، كلفت بقيادة جولات من الحوار مع الطبقة السياسية وفعاليات المجتمع المدني والشخصيات الوطنية ووجوه من الحراك الشعبي، تمخضت عن جملة من المقترحات أهمها مراجعة القانون المنظم للانتخابات والتأسيس لسلطة وطنية مستقلة للانتخابات، تتولى تسيير العملية الانتخابية من الألف إلى الياء، بعيدا عن أي تدخل من الإدارة. 

وبالفعل، انطلق المسار الانتخابي من جديد تحت إشراف السلطة المذكورة التي تعهدت منذ البداية بأن الاستحقاق الرئاسي لـ 12 ديسمبر سيكون “في مستوى تطلعات الشعب”، بفضل “استقلاليتها التامة” وتطهير القوائم الانتخابية اعتمادا على التكنولوجيا الحديثة التي تجعل التزوير “من المستحيلات”، مثلما أكده رئيسها محمد شرفي أكثر من مرة.

حوار جاد مع الحراك

وقد عرفت هذه الانتخابات تنافس خمسة مترشحين على كرسي الرئاسة: الأمين العام بالنيابة للتجمع الوطني الديمقراطي عز الدين ميهوبي الذي نال - في آخر لحظة - دعم غريمه السياسي جبهة التحرير الوطني ورئيس “طلائع الحريات” علي بن فليس الذي خاض هذه التجربة لثالث مرة ورئيس “حركة البناء الوطني” عبد القادر بن قرينة عن التيار الإسلامي ورئيس “جبهة المستقبل’’ عبد العزيز بلعيد وعبد المجيد تبون الذي تقدم إليها كمترشح حر ليفوز في آخر المطاف بنسبة 58.13 بالمائة. ولم ينتظر الرئيس الجديد للجزائر طويلا للإفصاح عن نيته في معالجة الوضع المتأزم، حيث لم يتوان، غداة الإعلان عن نتائج الاقتراع، عن مد يده للحراك الشعبي من أجل حوار جاد، مع تأكيد عزمه على إجراء تغيير عميق على الدستور، تمهيدا لتأسيس جمهورية جديدة، مع إخضاع قانون الانتخابات للمراجعة. كما أكد أيضا على مواصلة حملة محاربة الفساد والمتورطين فيه، مع التشديد على أن العفو الرئاسي لن يشمل هؤلاء.  

مرافقة الرئاسيات

ورافق الجيش الوطني الشعبي العملية الانتخابية الخاصة باستحقاق 12 ديسمبر، مستندا في ذلك إلى أن “التمسك بالدستور هو عنوان أساسي للحفاظ على كيان الدولة واستمراريتها”. وفي هذا الإطار، اندرج تشديد الفقيد الفريق أحمد ڤايد صالح، نائب وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، على الأهمية القصوى التي تكتسيها هذه الانتخابات الرئاسية والذي كان مرده إلى أن الوضع أضحى “لا يحتمل المزيد من التأخير”. وجاءت انتخابات 12 ديسمبر، مثلما أكده المرحوم ڤايد صالح- “تجسيدا للتطلعات المشروعة” التي ما فتئ يعبر عنها الحراك الشعبي.

كما أنها تمثل “الحل الدستوري” الذي تمسكت به المؤسسة العسكرية لإنهاء الأزمة التي ألقت بتبعاتها على الشأن العام للبلاد، وهذا من أجل استكمال بناء دولة الحق والقانون وفقا لمبادئ بيان أول نوفمبر1954. كما نبهت القيادة العليا للجيش، أكثر من مرة، من مخاطر الأجندة المتبناة من قبل “أطراف معروفة لا تمت بأي صلة لمصلحة الشعب الجزائري”، تعمل على تنفيذ تعليمات “أمليت عليها من طرف جهات معادية للجزائر قوامها بذل كل الجهود المغرضة من أجل تعطيل الحل الدستوري”. ولطالما اعتبرت القيادة العليا للجيش الوطني الشعبي الشعب مصدر القوة في إحباط كل الدسائس وإفشال خطط المتربصين بالجزائر، حيث حرص الراحل الفريق ڤايد صالح على التذكير، دوما، بالصلة الوطيدة التي تجمع الشعب الجزائري بجيشه، مؤكدا أن هذا الأخير “برهن ميدانيا” على قدرته في تجسيد عمق هذه الرابطة وهو ما قابله التفاف الجزائريين حوله.

الحراك عزز رابطة “جيش - أمة”

إلى ذلك، تعهد اللواء السعيد شنقريحة، رئيس أركان الجيش بالنيابة، بألا تراق أى قطرة دم خلال مسيرات الحراك الشعبى مهما كانت الظروف. وقال شنقريحة ـ حسب افتتاحية مجلة “الجيش” ـ “إننا سنبقى وإلى الأبد جيشًا وطنيًا جمهوريًا فى خدمة الأمة فقط”. وأوضح شنقريحة أن الحراك الشعبى سمح بفضل دعم الجيش له بتحقيق المطالب الشرعية للجزائريين، من خلال مسيرات سلمية، واصفًا إياه بأنه عزز رابطة “جيش- أمة”.

ودعا اللواء شنقريحة، لتوطيد هذه العلاقة لردع الأطراف المعادية، وبالأخص جهات انفصالية، قال إنها تعمل لصالح عدو الأمس. وعدد اللواء شنقريحة جملة من الرهانات والتحديات التى رسمتها المؤسسة العسكرية كأهداف، على رأسها محاربة الإرهاب الذى لم يبق منه سوى شراذم صغيرة.

مقالات الواجهة

الأكثر قراءة

  1. طقس الخميس.. امطار غزيــرة على هذه الولايات

  2. الأمن الوطني: إلقاء القبض على فتاة مبحوث عنها محل 54 أمر بالقبض في وهران

  3. ارتفاع متوقع في درجات الحرارة غدا السبت بهذه المناطق

  4. حول طلبات التقاعد.. بيان هام من "كاسنــوس"

  5. منذ بدء العدوان.. إرتفاع حصيلة شهداء غزة إلى 34305 شهيد

  6. حج 2024.. بيان هام من الديوان الوطني للحج والعمرة

  7. وفد صيني يحل بتندوف لإنجاز محطة إنتاج الكهرباء بغار جبيلات

  8. لأول مرة في الجزائر.. بناء 11 سفينة صيد بطول 42 متر

  9. للمستفيدين من سكنات عدل.. جلسة عمل تقنية لمراقبة العملية التجريبية للمنصة الالكترونية

  10. حوالي 42 ألف مسجل للحصول على بطاقة المقاول الذاتي