المصالح الأمنية تحول ملف الفضيحة إلى العدالة
“المافيا” حوّلت ما يكفي لبناء قرابة 9 آلاف مسكن اجتماعي
رفعت مصالح ديوان الترقية والتسيير العقاري، ومديريات السكن والبناء والتعمير وعدة بلديات في خمس ولايات شرقية هي عنابة، سكيكدة، قالمة، الطارف وسوق أهراس شكاوى لدى المحاكم المحلية للتحقيق في عمليات نصب واحتيال واسعة، التي تعرضت لها من طرف ما يزيد عن 350 شركة مقاولة مزيفة، استحوذت على آلاف الأطنان من الإسمنت بوثائق مزورة.
وحسب مصادر موثوقة، فإن المديرية العامة لمصنع الإسمنت بمنطقة حجر السود ببلدية عزابة في سكيكدة، أودعت بدورها شكوى عاجلة على مستوى المجموعة الولائية للدرك تتضمن تعرض المصلحة التجارية للمركب إلى تحايل من طرف شبكة جهوية تخصصت في التزوير واستعمال المزور في الملفات الإدارية والوثائق الرسمية كقرار منح المشاريع التنموية الصادرة عن عدة هيئات والسجلات التجارية بهدف استخراج الإسمنت من المصنع. وأشارت مصادر “البلاد” إلى أن عناصر هذه الشبكة على علاقة بالمؤسسات العمومية والخاصة، والمديريات الولائية لقطاع السكن والتعمير بالولايات الخمس، حيث يعمد أفراد الشبكة إلى نسخ هذه الملفات وتزويرها، باستخدام هويات مزورة أو توظيف هوية بعض شركات المقاولة المعروفة بثقل نشاطها في قطاع البناء والتعمير، من أجل الحصول على كميات هائلة من الإسمنت، ومعاودة بيعها أو تهريبها نحو وجهات مجهولة، مما تسبب في رهن مئات المشاريع بسبب ندرة الإسمنت في السوق.
وذكر مصدر أمني لـ«البلاد” أن مجريات التحقيق مع المتهمين من عناصر الشبكة تركزت مبدئيا حول تقفي مسار الكميات الضخمة من الإسمنت التي تمت فوترتها بحجة أنها مخصصة لمشاريع تحوز عليها بعض المقاولات، كما أن الكميات المستخرجة من المصانع كانت أكثر من الكميات المخصصة لها، حسب الدراسات التقنية، مما يدعم فرضية توجيهها إلى السوق السوداء بعد استخدام وثائق الصفقة لتمويه مسيري المصنع بعزابة في سكيكدة وكذا وحدة التوزيع التابعة له والكائنة بالحجار في عنابة، وفي حالات أخرى بتواطؤ مفضوح سواء من طرف موظفين بمركب الإسمنت أو مشرفين على المصالح التقنية بالبلديات الذين يؤشرون على صحة البطاقة التقنية لهؤلاء المقاولين. وهي الخروقات التي كشفت عنها التحقيقات على مستوى البلديات التي تحتضن تلك “المشاريع الوهمية”، كما بينت التحريات أن بارونات المضاربة بهذه المادة، يتحصلون دون برمجة نظامية على كميات كبيرة تكون فيها 50 بالمائة من ذات الكمية لفائدة موظفين وإطارات بوحدة التوزيع، يقومون بتحويلها إلى السوق السوداء.
ومن المنتظر أن تحيل مصالح الضبطية القضائية للدرك الوطني ملف أكبر حملة تحقيق في أزمة الإسمنت بالجهة الشرقية على المحاكم الابتدائية قريبا. وتناقض سيرورة التحقيقات وتداعياتها الميدانية على سوق الإسمنت تطمينات مختلف المسؤولين المحليين، كما هو الشأن لوالي عنابة الذي أكد أن قضية التموين بالإسمنت قد سويت بصفة نهائية مع وحدة التوزيع بالحجار ومركب الإنتاج بعزابة، فقد زادت الأسعار إلى حدود 1100 دينار في المناطق الحضرية وقفزت إلى 1300 دينار في المناطق الريفية المعزولة.
وعلى نفس الصعيد، أقدمت مصالح الدرك الوطني بالتنسيق المباشر مع مسؤولي مصنع الإسمنت على مراسلة مصالح ديوان الترقية والتسيير العقاري ومديريات السكن والتجهيزات العمومية وحتى بعض مديريات الأشغال العمومية بولايات عنابة، سكيكدة، الطارف، قالمة وسوق أهراس تضم قوائم وبيانات لمؤسسات مقاولة قيد التحقيق، حيث أظهرت التحريات الأولية وجود قرابة 350 شركة أشغال البناء كانت لها تعاملات استثمارية وتجارية مع المؤسسات العمومية والإدارات المحلية التي تعرضت للنصب والاحتيال، وتمكن من خلالها عناصر هذه الشبكة من تزوير ملفاتها بهدف استخراج مئات الأطنان من الإسمنت على مراحل، ومنذ سنوات من مصنع حجر السود دون أن ينكشف أمرها، رغم أن معظم هذه الشركات العمومية والإدارات المحلية قد أنهت نشاطها معها أو فسخت معها العقد.
وحسب تقييم نقابات المقاولين، فإن جل ورشات الإنجاز سيكون مصيرها الشلل التام عبر إقليم ولايات الشرق ولا حل، حسبهم، لأزمة المضاربة بأسعار الإسمنت إلا بمباشرة تحقيق قضائي جاد على مستوى مصنع حجر السود نفسه وكذا وحدات التوزيع التي تبقى النقطة السوداء ومعقل الفساد التجاري واستمرار عمليات البزنسة والمضاربة. وكانت قيادة الناحية الجهوية الخامسة للدرك الوطني قد أعدت تقريرا مفصلا أعقب تحرياتها حول ‘’مافيا الإسمنت’’ بالشرق الجزائري التي نشطت على مستوى خمسة مصانع لإنتاج هذه المادة، أنها تمكنت من تحويل كمية تكفي لبناء قرابة 9 آلاف مسكن اجتماعي بمساحة تزيد عن 67 مترا مربعا، تورط فيها المئات من الإداريين والمقاولين عن طريق إيداع ملفات مزورة لإنجاز مشاريع وهمية بقيمة تجاوزت 390 مليار سنتيم.
