على امتداد الساحة.. لا وجود لحزب واحد ـ على الأقل ـ يتمتع بصحة جيدة.. كل الأحزاب بغير استثناء مريضة.. بعضها يتعاطى المسكنات لتجاوز آلامه.. والبعض الآخر يحاول القفز على جراحه النازفة.. ومنها ما يرقد ممددا في غرفة الإنعاش.. ومنها ما ينزف باطنيا دون أن ينتبه إليه أحد.. ومنها ما تسوء حالته النفسية والخلقية يوما بعد يوم.. ومع كل هذه المعاناة.. تصدر هذه الأحزاب من الضجيج والكلام والعنتريات والوعود الكاذبة.. ما تحول به الملعب السياسي إلى بركة أوحال.. تستحيل فيها السباحة بسهولة وأمان.
كل التيارات الحزبية تعاني من نقص المناعة الذاتية.. وهي عرضة لهجومات إنتانية من الداخل والخارج.. تستهدف إبقاءها تحت الهيمنة.. لتظل احتمالات انهيارها قائمة.. وفي أحسن الأحوال تحتفظ ببقائها الاصطناعي.. في صيغة كيانات وهمية لا أكثر.
في العائلة الإسلامية.. اضطرابات وانشقاقات واتهامات متبادلة.. وخروج من الصف.. وصراعات تطفو على السطح.. ومحاولات للهيمنة الشخصية.. وسعي لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء.. وتهميش للقواعد النضالية.. وملاسنات قد تبلغ درجة قصوى من الحدة.. في ظل غياب شبه تام للفعالية.. وللمشروع التغييري الذي يبرر وجود هذه الأحزاب واستمرارها.
الأحزاب الوطنية المهيمنة ـ بطريقة أو بأخرى ـ على الحكومة والبرلمان.. ليست أفضل حالا من غيرها.. بدليل الإقالات وتصفية الحسابات.. والصراعات في الأسفل وفي الأعلى.. ولولا الملابسات التي تمكن الحزبين الظاهرين في هذا التيار “جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي” من الهيمنة.. لانتهت هذه الأحزاب مجرد فقاعات تستجدي فتات الأصوات.. وبقوة الأمر الواقع تفقد هذه الأحزاب استقلالية القرار.. مقابل أن تظل صورة حائطية للحكومة. ليس بعيدا.. ما تعانيه الأحزاب اللائكية بدورها من تآكل داخلي.. وانحسار جغرافي.. ونشاز أيديولوجي يبعدها عن ثقة الناخب.. باعتبارها أحزابا ـ وكلاء.. لا تصدر عن هوية وطنية.. بقدر ما تتغذى من أيديولوجيات مستوردة..
وبالجملة.. الأحزاب كلها مريضة.. في سياق من يريدها طريحة الواقع.. لا تكاد تستوي على رجليها.. فلا يتاح لها أن تتنفس برئتين سليمين.. أو أن تحتفظ بقدرتها على التفكير السوي.. ليستثمر هؤلاء في عجزها المزمن.. والسؤال: هل ننشئ ونطور ديمقراطية لفائدة الجزائر ـ وليس لمصلحة الأشخاص ـ بأحزاب مُعاقة.. فكريا وتنظيميا وسلوكيا ـ صيدلية الأحزاب مغلقة.. والأطباء في إجازة.. وحفارو القبور على أهبة الاستعداد.