كنا نظن أن المافيا عنوان واحد.. فإذا هي ”مافياوات” وعناوين وشارات.. لكل واحدة منها طريقة عملها ومجالها الحيوي الذي تبسط فيه هيمنتها.. وتحرص على ألا يقترب منه أحد.. بما في ذلك أعوان الدولة.
سمعنا عن مافيا السياسة والتهريب والحاويات.. لكن ما توقعنا بروز مافيا الشواطئ ومافيا مواقف السيارات.. حيث تغتصب مجموعة من ”الأشرار” مساحة في شارع أو على شاطئ البحر.. لتعلن سيادتها عليها.. وتقيم عليها جمهوريتها العنترية.. وتشرع في جباية الإتاوات بأسعار تحددها هي.. والويل لمن يرفض.. إذ ليس أقل من تحطيم سيارته أو قذفه بسيل من الشتائم المقذعة.. وربما تطور الأمر إلى اعتداء جسدي موصوف.. على غرار ما وقع في ولاية ساحلية.. حيث لفظت الضحية المعتدى عليه أنفاسه في المستشفى.. متأثرة بإصابات قاتلة لأنه رفض دفع الإتاوة!
كل هذا يحدث منذ سنوات.. وبقدر صمت ولامبالاة ”الجهات الرسمية”.. تفاقم نشاط هذه المافيا وزادت عدوانيتها.. ولم تعد تبالي بسلطة الدولة.. واختطت لنفسها مسارا يقتضي إجبار الناس على الدفع وإلا جرى التنكيل بهم على المباشر.. والويل لن يقول لا أو يحاول المقاومة.
أين هي الدولة؟ هذا سؤال وجيه واستعجالي.. فحياة كل مواطن يركن سيارة في شارع أو في شاطئ معرضة للخطر يقينا.. فإما أن يخضع للابتزاز ويبتلع الإهانة.. وإما إن يغامر بتلقي ضربات بسكين أو هراوة.. ويضيع دمه هدرا بين قبائل المافيا.. وتقيد الجريمة على مجهول.
أعتقد أن الخطأ بدأ ذات يوم.. حين غُض الطرف عن شخص ادعى أنه يحرس السيارات.. وجاء من يدفع له بحسن نية.. ونسي هؤلاء أن ما يقوم به سرقة على المكشوف.. فبدل أن يمد يده خلسة إلى جيبك.. تفعل ذلك أنت نيابة عنه.
بعض البلديات سايرت الوضع.. واقتنعت بطريقة ما بأهمية تحويل الفضاءات المفتوحة في الأحياء والشوارع إلى مواقف رسمية.. يكون أعوانها هم المافيا ذاتها التي استولت على المكان وفرضت عليه سلطانها من قبل.. أي أن البلدية.. وعوض أن تحرر مواطنيها من المافيا تواطأت معها.. وثبت بأكثر من قرينة مشاركة مسؤولين فيها عناصر المافيا في جني أرباح من جيوب المواطنين المغلوبين على أمرهم.
أكرر السؤال: أين هي الدولة؟ قد تكون منشغلة بأشياء أخرى.. لكن ألا يثير حفيظتها انتقاص سيادتها على الأرض؟!