لا ديمقراطية بغير معارضة.. ولا سلطة تقف عند حدها.. وتكف عن القفز البهلواني في الفراغ.. بغير أحزاب ومجتمع مدني ونخبة وشخصيات عامة.. يلاحقونها عند كل زاوية.. ويتربصون بكل خطيئة تقترفها.. ويملكون إحصاء أنفاسها.. إن هي حاولت كتم أنفاس الآخرين.
ولا معارضة ـ بالمضمون لا بالشكل ـ .. إن لم تكن مستقلة تماما عن السلطة.. تعرف كيف تفعل.. وماذا بمقدورها أن تفعل.. وإلى أين تسير.. وكيف تتصرف حين تحاصرها السلطة من الجهات الأربع.. أو كيف تتدخل وتنفذ.. حين يتحول الوطن إلى حلبة صراع بين الانتهازيين والفاسدين والشعبويين.. أو حين تتحول السياسة إلى نشاط زبائني رخيص.. يدفع فيه دم الوطن ثمنا للصمت؟
في الجزائر.. تسبح المعارضة في منطقة عديمة الجاذبية.. أو شبه ذلك.. فلا هي تنزل إلى الأرض.. ليستقيم سيرها واتزانها.. ولا هي تتلاشى في الفضاء اللامتناهي.. وينقطع صوتها.. بمعنى أنها لا تملك أن تذهب إلى حيث تريد.. كما لا تملك السلطة جذبها إليها حين تريد.
باختصار.. ماذا بإمكان المعارضة أن تفعل.. مقابل سلطة مصرة على تنفيذ ما في رأسها.. وما في رأسها أشياء كثيرة.. منها ما هو معلوم ومكشوف.. ومنها ما هو مجهول ومستور؟
عمليا.. السلطة لا تعنيها المعارضة.. ولا تلتفت إليها إلا بمقدار ما تزين بها واجهتها الدعائية.. أي عند الحاجة فقط .. فالنسخة الجديدة من الدستور.. أعدت دون أن تكون فيها للمعارضة كلمة أو رأي.. وكأن لسان حال السلطة يقول.. أفعلُ ما أشتهي.. أحب من أحب.. وكره من كره.. ومن أشكل عليه الأمر.. فلينطح الحائط!
والمعارضة التي تحزن يوميا.. وتبدي رفضها الناعم لهذا الدستور “غير التوافقي”.. لا تريد أن تستفسر نفسها: متى توافقت معها السلطة؟ ومتى قالت لها.. تعالوا إلى كلمة سواء بيننا؟ وإلى متى تستمر في الركض خلف سراب لن تجده شيئا؟ ومن ينتشلها.. إن هي فقدت توازنها وسقطت في الهاوية؟
تقديري.. أن المعارضة هي ملح السياسة.. ونحن لا نريد أن يفسد هذا الملح.. وإلا “بمَ نملح؟”.. هذه المعارضة ـ وتحديدا تنسيقية الانتقال الديمقراطي ـ مطالبة بأن تعارض.. لا بافتراضها مقاولا من الباطن.. بل باعتبارها شريكا يملك الكثير من الأسهم.. وإن لم يملك أغلبها.
