فلسطين في مهب الريح: ماذا بقي للعرب أن يفعلوا؟

تحدث الإسرائيليون عن رسول السماء إليهم "الجنرال السيسي".. وقبل ذلك عن كنز إسرائيل الثمين "حسني مبارك"..

من منا لم يقرأ هذه الرسالة.. العزيزة على قلب كل صهيوني أومتصهين.. (عزيزي اللورد روتشيلد: يسرني جدًا أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته، التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عُرض على الوزارة وأقرته: إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة مقام قومي في فلسطين للشعب اليهودي، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يُفهم جليًا أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أوالوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر، وأكون ممتنًا إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيوني علماً بهذا التصريح ـ المخلص آرثر جيمس بلفور وزارة الخارجية في 2 نوفمبر 1917).

حدث هذا قبل مائة عام من الآن.. وخلال ثلاثين سنة تقريبا من ذلك التاريخ المشؤوم.. أنجزت بريطانيا العظمى وعدها كاملا..فمكنت العصابات الصهيونية من رفع علم كيانها في فلسطين في 1948.. لتبسط إسرائيل هيمنتها على ما بقي من الوطن المغتصب في 1967.. تلا ذلك رفع هذا العلم في سفارات إسرائيل في مصر والأردن وموريتانيا.. أوفي مناسبات خاصة كما حدث في أكتوبر 2009 في أبوظبي خلال اجتماع للوكالة الدولية للطاقة المتجددة .. وتظل القائمة مفتوحة للوافدين الجدد.

كتوبر 2009

 الآن.. والصهاينة وخدامهم من الساسة الغربيين وتحديدا الإنجليز.. يتهيؤون للاحتفال بمئوية صدور وعد بفلور.. تصرح رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي أمام البرلمان "سنحتفل حتما بالذكرى المئوية لوعد بلفور بكل فخر، لدورنا في تأسيس دولة إسرائيل" .. ولتأكيد هذا الفخر.. سيدعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بزيارة إلى بريطانيا في 2 نوفمبر.. لحضور الاحتفال بالذكرى المئوية لإعلان الوعد المشؤوم.. فماذا بقي للعرب عامة أن يفعلوا؟

على المستوى الفلسطيني.. تقدم السلطة الفلسطينية انطباعا مخجلا.. بأن الفلسطينيين أوعلى الأقل من يتحدث باسمهم أويمثلهم في المحافل الدولية أويفاوض نيابة عنهم.. لا يتحرجون من تكريس الواقع الاحتلالي.. وبما لا يقل شؤما عن الوعد نفسه.. فالاعتراف بالكيان الصهيوني هو إقرار ضمني بهذا الوعد.. والتعاون الأمني المشترك مع إسرائيل.. والسعي في تصفية المقاومة المسلحة والمقاومة بالانتفاضة.. والتشبث بوهم المفاوضات التي تفضي إلى السلام.. والمراهنة على قيام دولة فلسطين المستقلة في نطاق الحدود الموروثة قبل نكبة 1967.. كل هذه الخيارات القاتلة ليست سوى ممارسات تساهم السلطة بواسطتها في تصفية القضية الفلسطينية... أما ما تعنيه مطالبة الفلسطينيين بريطانيا بالاعتذار للشعب الفلسطيني عن نكبته.. و"الاستعداد لإحياء ذكرى مرور مئة عام على وعد بلفور المشؤوم من خلال تظاهرات واعتصامات تبلغ ذروتها في بريطانيا في 4 نوفمبر".. أومطالبة حنان عشراوي بـ "أن يفعل المجتمع الدولي شيئا".. فليس أكثر من دفع محتشم للعتاب.. وقد يكون التفافا على استحقاقات القضية بأسلوب الهروب إلى الأمام.

على المستوى العربي الرسمي.. لم يُبق العرب ـ أغلبهم طبعا ـ للفلسطينيين إلا القليل مما يمكن فعله.. فعلى امتداد سبعين سنة.. هوعمر الصراع العربي ـ الإسرائيلي.. الذي تحول إلى صراع فلسطيني ـ إسرائيلي.. قبل أن ينتهي صراعا بين حماس وإسرائيل.. بانتظار وأد القضية تماما.. ضاعت ملامح القضية بالتخاذل الذي ترجمه أنور السادات ميدانيا.. حين أحدث ثقبا في جدار القضية.. وسعه عرفات لاحقا باتفاقيات أوسلو.. ليتسنى لجوقة السلام التي تعزف موال التطبيع..أن تنفذ من خلاله إلى المستقبل العربي في حضن إسرائيل.

 التطبيع الذي يعني الإقرار بحق إسرائيل في الوجود الأبدي.. وبأن ما تفعله له أساس شرعي من القانون الدولي ـ اعتراف الأمم المتحدة بالكيان الصهيوني ـ .. وأساس عربي بتفعيل مبادرة السلام العربية.. ولوعلى حساب الحق الفلسطيني الأصيل.. هذا التطبيع أخذ صفة مسار اختطته أنظمة تسعى للتخلص من استحقاقات القضية الفلسطينية.. وفي محاولة مستميتة لإبداء حسن النية والاصطفاف أمام بوابات تل أبيب.

تحدث الإسرائيليون عن رسول السماء إليهم "الجنرال السيسي".. وقبل ذلك عن كنز إسرائيل الثمين "حسني مبارك".. واليوم تكشف وسائل إعلامهم أن التطبيع الشامل والنهائي مع العرب.. قاب قوسين وأدنى.. وأن الزيارات مع الأحبة العرب.. تتم في الخفاء كما في العلن.. والمسألة حساب أيام وأشهر لا أكثر.. ليكتمل العرس الإسرائيلي.. وتدق طبول الزفاف!

 الساحة العربية المفتوحة على دبلوماسية الانبطاح.. تقتضي في إحدى مراحلها تحييد المشاكسين.. ممن يمدون أيديهم إلى المقاومة الفلسطينية.. أويعينون المحاصرين في غزة على الثبات والمقاومة.. يعقب ذلك الانخراط التام في مسلسل الصهينة الجاري على قدم وساق.

حدث الآن.. وبعد مائة عام من توقيع وثيقة ميلاد الكيان الصهيوني.. أن تعلن بريطانيا رفضها القاطع الاعتذار عن جريمتها وغدرها.. بل على النقيض من ذلك.. هي تبدي افتخارا وتبجحا زائدين على اللزوم.. وتخاطب الجميع .. نحن أوجدنا إسرائيل.. ونحن ندعمها ونحميها.. ونضمن استمرارها.. فافعلوا ما بدا لكم.. فماذا بقي للعرب أن يفعلوا؟

 أظن الرسالة واضحة.. ومضمونها الصادم للعقل والعاطفة العربيين.. يحيل إلى محكمة الضمير التي ستحكم بنبذ الخيانات المستشرية.. حيث لم يعد بإمكان العرب أن يفعلوا شيئا.. حتى ولو أرادوا.

 

 

 

مقالات الواجهة

الأكثر قراءة

  1. طقس الخميس.. امطار غزيــرة على هذه الولايات

  2. منذ بدء العدوان.. إرتفاع حصيلة شهداء غزة إلى 34305 شهيد

  3. حول طلبات التقاعد.. بيان هام من "كاسنــوس"

  4. حج 2024.. بيان هام من الديوان الوطني للحج والعمرة

  5. وفد صيني يحل بتندوف لإنجاز محطة إنتاج الكهرباء بغار جبيلات

  6. إصابة 10 أشخاص في حادث مرور بالأغواط

  7. لأول مرة في الجزائر.. بناء 11 سفينة صيد بطول 42 متر

  8. فؤاد الثاني.. أخر ملوك مصر يعود الى قصره بالاسكندرية

  9. الجرعات الزائدة من البطيخ قد تكون مميتة في حالات معينة.. ماهي؟

  10. للمستفيدين من سكنات عدل.. جلسة عمل تقنية لمراقبة العملية التجريبية للمنصة الالكترونية