الفضائح العابرة للقارات يصعب التحكم فيها.. أو غلق ملفاتها بسهولة.. أو إحالتها إلى قضاء تابع للحكومات يجيد القفز عليها.. فالحاصل أن العالم العربي برمته لا يتوفر على قضاء مستقل أو نزيه.. أعني القضاء الذي يتصدى لجرائم السلطات الرسمية وعتاة المسؤولين.. ولنا في “قضاء مصر الشامخ” خير شاهد على ذلك.
في هذا السياق.. تصبح “أوراق بنما”.. التي تناولت جريمة “الملاذات الآمنة”.. عنوانا آخر لجرائم تبييض الأموال.. والتهرب الضريبي.. والإفقار الممنهج للدول المتخلفة.. التي تتعرض للاستنزاف المالي المافياوي.. وما أكثر العناوين التي ظهرت ثم اختفت.. فقد طُمس عليها.. وكأن لا شيء قد وقع.
في دولة ديمقراطية وشفافة كأيسلندا.. لم ينتظر رئيس الوزير طويلا ليستقيل.. في خلفية ورود اسمه في قائمة جماعة بنما.. فقد خرجت جموع المحتجين.. رافضة أن يحكمها رئيسا يخون بلده وشعبه.
في عالمنا العربي.. يتم إخفاء خزائن المال العام.. الذي يتحول بقدرة قادر إلى مال خاص.. ويصار إلى العبث بميزانيات دول بلا حسيب أورقيب.. ولا يحدث شيء.. أما المجالس المنتخبة.. فليست أكثر من واجهة لصرف الأنظار عن الحقائق الجارية على الأرض.
والعرب في هذا يشبهون روسيا.. التي يتبجح قيصرها الجديد.. بأن أحد المقربين منه.. الذي ورد اسمه في قائمة بنما.. هو صديق رائع.. ويعتز به.. قال هذا تحت تصفيق المتملقين والانتهازيين وبقايا “الكي جي بي”!
نحن لا نحث مسؤولينا على الاستقالة.. فهم لا يستطيعون مغادرة الجنة التي ألفوا التنعم فيها.. إلا أن يُطردوا منها.. كما طرد إبليس من الجنة.. لكن نسألهم: ألا تشعرون بالحرج ووخز الضمير.. وأنتم تسيئون إلى شرف الدولة التي تمثلونها.. وإلى الشعب الذي تتحدثون باسمه؟
وزيرنا للصناعة والمناجم.. الذي ورد اسمه في “وثائق بنما”.. لم يقدم الدليل على براءته.. حتى وإن كان بريئا حتى تثبت إدانته.. بل سارع إلى اتهام “لوبي” في الداخل والخارج باستهدافه.. لأنه وفر للجزائر أكثر من ثلاثة ملايير دولار.. وقال إنه سيقدم تقريرا مفصلا للرئيس لنفي هذه التهم.
نحن لا نتهم الوزير بشيء.. لكن ندعوه أن يقدم تقريره للرأي العام أيضا.. فهو مسؤول أمام الشعب كذلك.. فإذا ثبتت براءته.. سارت خلفه الملايين.. فنحن بحاجة ماسة إلى مسؤول نصدقه.
