لتتحقق حرية التعبير.. وحرية الكتابة.. وينتفي الحجر على المعلومة.. يجب أن نكون كأمريكا أو ما يشبهها.. لكن حتى في أمريكا يصف ترامب الصحفيين بـ«أعداء الشعب”.. ويسحب رخصة الدخول على البيت الأبيض من صحفي.. لأنه تجرأ وأحرجه أمام الحضور.
ترامب مغرد.. أي إنه شبه صحفي.. ليس محترفا ولكنه يريد الاستغناء عن الصحفيين.. ربما بسبب أن الصحافة ـ والإعلام عموما ـ في أمريكا تسقط رؤوسا كبيرة.. وترامب يتحسس رأسه باستمرار.. بسبب تحقيقات مولر.. والصحفيين المتربصين به.. ومأساة خشقجي التي حشرته في زاوية ضيقة.
يقولون إن الصحافة هي السلطة الرابعة.. لكن حيث توجد السلطات الثلاث.. أما حيث تنعدم.. لتختزل في سلطة وحيدة.. هي سلطة الأمر الواقع التي تفرض قرارها كما تشاء وحين تشاء.. فلا سلطة رابعة أو عاشرة.. بل هو الرأي الواحد.
أعتقد أننا في الجزائر.. لسنا كأمريكا لكننا لسنا كهذه الملكيات والإمارات و«الجملوكيات”.. أعني أننا نمتلك هامش حركة.. لسنا مقيدين تماما.. ولسنا أحرارا تماما.. بين بين.. وهذه ما يصعب وظيفة الصحفي والكاتب.. وعموم من يمارس التعبير عن الرأي.
قضية الصحفيين ـ الإلكترونيين ـ الماثلة أمام يدي القضاء.. نموذج لهذا التماهي بين الممنوع والمرخص.. بين الحياة الشخصية التي يحرم المساس بها .. والحياة العامة التي لا يمكن الاحتجاج بالخصوصية لحجبها عن الرأي العام.
ما يثير في هذه القضية أمر واحد.. هو عدم امتلاكنا صدرا رحبا في التعاطي مع أخطاء الصحفيين.. فمهما كانت التجاوزات فثمة فسحة في القانون.. يخول لـ«الضحية” الرد بالمثل.. وكشف الحقيقة.. ويلمس هذا مسؤولي الدولة بصفة خاصة.. فمن يقرأ الخبر.. سيقرأ الرد عليه وتفنيده إن تضمن أخبارا زائفة أو مسيئة.. وللقارئ أن يشكل موقفه أو وجهة نظره بناء على ذلك.. أما المسارعة إلى القضاء.. وجلب الصحفيين إلى القفص.. فهذا لا يخدم حرية التعبير.. ولا يساهم في ضبط المنحرفين.. فعندما يخاف الصحفي.. سيكف عن قول الحقيقة.. وسيكتفي بالطفو على سطح الأخبار.. وستكون هذه خدمة مجانية للفاسدين.. خاصة ممن يغرفون من المال العام.. وتكون الحقيقة هي الضحية.. على الآن.. فما تعجز عنه الصحافة.. سيتكفل به التاريخ.. فالحقيقة لا يمكن طمسها.. وهي ستمثل للعيان لا محالة.
