الأيام الكبيرة نادرة.. لكنها تظل أياما كبيرة وحاسمة.. وعلامة فارقة في التاريخ وفي مصير الناس.. فإسقاط ديكتاتور عابث ومقرف.. وكنسه من الساحة السياسية بزخم الشارع.. ليس أمرا هينا كما يتوهم البعض.. ولن يكون جولة سياحية مجانية.. ولا نزولا عابرا إلى الميدان.. ولا خطابات صوتية تستثير العواطف ثم تخبو.. ولا شعارات ترفع ثم توضع جانبا.. إنه مواجهة على حد السيف.. حياة بحياة.. وموت بموت.. وليس أقل من ذلك.
في 25 جانفي 2011.. هوى صنم مصري ضخم إلى الأرض.. سقط وتناثرت شظاياه في ميدان التحرير.. وفر حراس المعبد في كل اتجاه.. يومها قال الناس.. هوموت الديكتاتور وميلاد الحرية.. فالشمس ستشرق على المصريين جميعا.. دون أن تحجبها مظلة القمع.. ولا أن يصادر ضياءها فرعون يدعي الألوهية في الأرض.
غنى ورقص المنتفضون في الميدان حتى تعبوا.. ورسموا ألواحا زاهية لمستقبل كله.. “عيش.. حرية.. كرامة إنسانية”.. ولم يسألوا أنفسهم: هل لفظ الديكتاتور أنفاسه الأخيرة فعلا.. أم إنها مجرد مسرحية.. تقمصت فيها روحه جسدا جديدا؟
لم يكلفوا أنفسهم عناء البحث في قائمة الموتى.. ليتأكدوا من أن سلالة الفساد والاستبداد قد رحلت برمتها.. ولم تخلف وراءها جراثيم قابلة للتكاثر والانتشار.. واكتفوا بترديد أغنية النصر.. نصر وهمي.. لن يعيش لأكثر من أيام.. لترتد مصر بعده.. إلى ما هوأبشع من ماضي “حسني مبارك” .. فقد جاء السيسي على طبق الإخوان المسلمين.. الذين أخطؤوا التقدير.
خمس سنوات.. قفزت بعدها مصر إلى عصر ما قبل السلالات ـ بالتأريخ المصري القديم ـ.. وتولى كهنة المجلس العسكري.. إجراءات التعميد والتطهير للمنتسبين الجدد.. ليكتشف المصريون ـ وهم في حالة دهشة ـ أن الأيام الجميلة لا تعمر طويلا.. وأن الوقائع الدامية جزء من الواقع المصري.. كما كانت دائما.
في مثل هذا اليوم.. ولدت وماتت الحرية.. لفظت أنفاسها قبل أن تبلغ عامها الأول.. في حضن مشهد مروع.. تتخلله أشكال وصور شيطانية.. لعساكر وإعلاميين وقضاة وأمنيين.. وسدنة معابد دينية.. اجتمعوا في 30 جوان 2013.. ليعلنوا نهاية حلم وبداية كابوس.
