من السذاجة الاعتقاد أن العصابة قد ألقت سلاحها وسلمت بالأمر الواقع.. وما بقي في جعبتها سوى انتظار أحكام القضاء.. أو إنها تسعى للتكفير عن خياناتها طلبا للعفو الشعبي.. لا شيء من هذا حدث ولا شيء من هذا سيحدث.. فمنطق العصابة مختلف تماما.. وقراءتها للواقع مبنية على معايير "عصابتية" خاصة.. فالعصابة لا تتوب أبدا.. تنتصر أو ترمى في السجن أو تفر إلى الملاذات الآمنة.. وهي من وراء ذلك كله.. تخطط للعودة متى أتيحت لها الفرصة.
صحيح أنها فقدت الكثير من الأوراق والمواقع.. ويتم حصارها في نطاق ضيق للغاية ومجهد لها.. وتتعرض للاستنزاف يوميا وعبر مسيرات الجمعة.. وتخسر ماديا ومعنويا.. لكنها تظل مثابرة حيث هي.. فهي لم تخسر أعوانها في الإدارة ولا أبواقها في الإعلام.. ولا باءاتها الباقية حيث هي.. ولا أنصارها في أحزاب الموالاة الذين يتبجحون بربح معركة الرئاسيات القادمة.. ولا ظهيرها الخارجي الذي يعمل في صمت .
إن ما يقوي أملها في ربح جولات قادمة هو هذه الرهانات:
أولا- العمل على كسب مزيد من الوقت.. أملا في تضعضع إرادة الحراك الذي يفقد زخمه بمرور الأيام.. فبعد شهور من الانتفاضة الشعبية العارمة.. لم يتحقق الهدف الكبير للحراك وهو استئصال آخر فرد من العصابة.. والـتأسيس لجمهورية جديدة غير التي بناها بوتفليقة أو كانت لها دعائم من قبل.
ثانيا - تشرذم المعارضة التي لا تبدو جادة إلى حد الآن ورص في صفوفها وحسم موضوع الرئاسيات بمرشح توافقي بينها.. فالأحزاب التي تتصدر الواجهة لا تبدي فعالية ذات تأثير ميداني.. ولعل لطموحات قياداتها أثر في ذلك.. فعندما تفشل المعارضة ستكسب الموالاة لا محالة.
ثالثا - غياب إطار تنظيمي للحراك الشعبي.. بما جعله جسدا بلا رأس.. ومع ما لهذا الوضع من إيجابيات، إلا أن سلبيته تكمن في صعوبة مخاطبة هذا الحراك على الأرض.. فهو كالسيل الجارف يتدفق إلى الأمام إلى أن يتلاشى في النهاية.. لا شك أن العصابة مسرورة بهذا الوضع.. وقد تسعى بواسطة أزلامها لركوب موجة الحراك وإعادة توجيهها.
رابعا ـ المراهنة على كسب الاستحقاق الرئاسي.. وتنصيب رئيس من الموالاة يعيد ترتيب الأوضاع لتنتج نظاما مماثلا أو قريبا من نظام بوتفليقة.. ومن ثم يتم احتواء كل الإجراءات التي طالت العصابة (نماذج حية في مصر وليبيا والسودان وسوريا..) .
خامسا ـ استثمار موقف المؤسسة العسكرية الداعي للتغيير في إطار الدستور وحثها على انتخاب رئيس للجمهورية في أقرب وقت.. فالعصابة تحاول ترجمة هذا الموقف لصالحها.. بإبداء نوع من التناغم معه بتأكيدها على أهمية إجراء الانتخابات قريبا.. وفي ظل غياب مرشح توافقي للمعارضة يكون هذا الرهان جادا وحاسما.
هذه بعض رهانات الثورة المضادة.. وما يجري قريبا من حدودنا.. وفي عالمنا العربي الموبوء بالانتكاسات.. إشارة إلى ذلك.