لا بأس من أن نستفيد درسا من تونس.. ليس في تنمية السياحة أو البحث في موضوع حقوق المرأة.. بل في أن تبدأ حكومتنا بنفسها.. فبدل أن تدعو المواطنين للتقشف والصبر وترشيد الاستهلاك وإقراض خزينة الدولة.. لمواجهة الأزمة المالية وتراجع الموارد.. عليها أن تعطي المثل من نفسها.. فتحث وزراءها وموظفيها السامين على خفض مرتباتهم بنسبة معينة.. عربون ولاء للشعب.. واعترافا بفضل الدولة الجزائرية عليهم.. ومساهمة منهم في الجهد الوطني لتخفيف أثر الأزمة وكبح تداعياتها.
قد يرى البعض في هذا الاقتراح.. ما يشبه دعوة طوباوية.. أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع.. بحكم أن وزراءنا ونوابنا وموظفينا السامين ـ إلا من رحم الله ـ.. لا يرون في مناصبهم إلا ما تُدر عليهم من عطايا ومزايا وخيرات بالجملة وبالمجان ـ قياسا بما يقدمون ـ.. وهم ـ إلى جانب هذا ـ ما اعتادوا التنازل عن شيء من مكاسبهم المشروعة وغير المشروعة.. وقد يكون هذا صحيحا.. من حيث إننا لم نر منهم شيئا كهذا من قبل.. لكن هل يكون الوزير الأول التونسي وطاقم حكومته.. أجدر من جماعتنا نحن؟
فقد أعلنت رئاسة الحكومة التونسية في بيان لها.. أن الوزير الأول بعد التشاور والاتفاق مع أعضاء حكومته.. “قرر تخفيض المنح والامتيازات المخوّلة لأعضاء الحكومة بنسبة 30٪ من مقدار المبلغ الشهري الذي يتقاضونه.. وبنسبة 20٪ من حصة وقود السيارات الشهرية التي يحصلون عليها”.. وهذا التخفيض فوري.. ويتم في إطار ما أسموه “التضامن مع تونس”.
فهل يعجز وزراؤنا عن فعل شيء مماثل.. إلى أن تسترد مالية الدولة عافيتها.. وتكف الحكومة عن الاقتطاع من مرتبات “الفقراء” بوسائلها المعروفة.. زيادة الضرائب والغرامات والأسعار وإجراءات جنونية أخرى؟
لا أظنهم يعجزون عن هذا لو أرادوا.. فمداخيلهم تفي بحاجاتهم وتفيض.. وأغلبهم يستفيدون من موارد إضافية.. بقي الإيمان بـ “التضامن مع الجزائر” على حد تعبير إخواننا التونسيين.. فهنا يكمن الفرق.. وتتجلى القدرة على إسقاط الأقوال على الأفعال.. أما أن يُكتفى بدعوة المواطنين إلى التضامن مع حكومتهم.. فكيف تكون حكومة لهم.. وهي تأخذ منهم طوعا وكرها.. لتستنزفهم دون أن تأسى لهم.
ننتظر من مسؤولينا الكبار أن يبادروا.. لنجد يوما ما.. شيئا طيبا نذكرهم به.. وليس مجرد صفحة سوداء بالتمام.
