قرأت ما مفاده أن أي محاولة من قوى الأمن لفض اعتصام الأساتذة المتعاقدين.. هو بمثابة خط أحمر.. لا يمكن تجاوزه.. فتساءلت: كم خطا أحمر وضعناه وأعلناه للناس.. ثم تجاوزناه؟ وهل نملك حقا خطوطا حمراء.. هي بمثابة إشارة “قف”.. فاحترمنا الإشارة.. وتوقفنا حيث نحن؟
أظن حكاية الخط الأحمر هذه.. نكتة عربية بامتياز.. وجزائرية أيضا.. بحكم تداولها في كل مرة بغير طائل.. وهي نوع من لغة التهديد الجوفاء.. ممن لا يملك أن يفعل شيئا.. فيلجأ إلى الصراخ لإبعاد الأرواح الشريرة.
بضربة واحدة.. هتكت فرنسا كل خطوطنا الحمراء.. وعبرت إلينا على جثة كرامتنا الوطنية.. فماذا فعلنا؟ لا شيء تقريبا.. إلا من بعض الردود المحتشمة.. التي جاءت بإذن وضمن حدود لا يمكن تجاوزها.
في التربية.. ومنذ عشرين سنة تقريبا.. وخطوط المدرسة الجزائرية تنهار.. الواحد تلوالآخر.. فما كان رد فعلنا؟ لا شيء أيضا.. والفاعلون لا يزالون يهدمون ما بقي من دفاعات أخيرة.. تترس خلفها هذه المدرسة.. وغدا ـ ونظنه قريبا ـ سنكتشف أن مدرسة ابن باديس لم تعد موجودة.. بل هي مدرسة بن زاغو تفرض سلطانها على ملايين التلاميذ!
كنا نعتقد أن النص الدستوري.. هوالخط الأحمر رقم واحد.. الذي يصعق كل من يحاول الاقتراب منه.. فإذا بهم يطفئون توتره العالي ـ بلغة الكهربائيين ـ .. ليصبح مجرد سلك ميت.. ليقفزوا إلى كل المحرمات السياسية وغير السياسية.. لقد أضحى الدستور مجرد “أسود على أبيض” لا روح فيه.
هل بقي المال العام خطا أحمر ؟ أبدا.. فمئات المليارات من الدولارات التي تبخرت في سنوات معدودات.. تثبت ألا خط هنا.. بل أبواب مشرعة على مصراعيها للناهبين.. ولم يشفع قانون مكافحة الفساد في كبح جماح الفاسدين.. بل ازداد عددهم وتكاثروا بصورة تثير الاستغراب.
حاولت أن أشخص خطا أحمر واحدا.. واحدا فقط.. لم تتم الإطاحة به.. ولا يزال سدا منيعا في وجه المتسلقين ومحترفي القفز على كل شيء.. وفي كل اتجاه.. فلم أعثر على هذا الخط.. ولا أظنه موجودا ولوفي الخفاء.
لقد هدمنا خطوطنا الحمراء كلها.. بأنفسنا وليس بأيدي غيرنا.. حدث هذا ابتداء في 1962.. حين تقرر مصير دولة عبر أهواء جماعة مغمورة من الناس.. ولا يزال الأمر كذلك إلى اليوم.. فما أكثر الخطوط الحمراء حين نعدها.. وما أقلها إن وُجدت!
