إذا كانت السعودية ـ وهي محضن السلفية الأول وراعيها الأكبر ـ قد تبرأت من الوهابية.. وصرح ولي عهدها في أكثر من مناسبة.. “لا نقبل العيش ثلاثين سنة أخرى تحت التطرف، وسندمرهم ـ يشير إلى السلفية بنموذجها السعودي الذي يمنع المرأة من قيادة السيارة على سبيل المثال “.. فهل بقي مجال للشك في أن هذه السلفية المتداولة بيننا.. لم تعد أكثر من عنوان لمرحلة منقضية من الزواج السياسي بين آل الشيخ وآل سعود.. وحين وقع الطلاق هناك.. آن لفك الارتباط هنا.. فالفرع يلحق الأصل وليس العكس.
دعنا ممن يروج أن السلفية منهج وليست أشخاصا أو تنظيمات أو أحزابا.. فهذا الادعاء مردود.. فلو لم تكن أشخاصا يتَحَلَقون حول شيخ.. يطوف بدوره حول سلطان.. لما كان لهم كل هذا الزخم والسطوة.. والواقع أصدق إنباء من كل شيء.
لا يعنينا كم طيفا سلفيا ينتشر في بلاد المسلمين.. وعندنا في الجزائر تحديدا.. فالجماعة يرتدون في النهاية إلى أصل واحد.. ويصدرون عن فكرة واحدة.. وإن ادعت بعض التيارات تميزها عن غيرها.. لأن النتيجة على الأرض واحدة.. غلو وتشدد يبلغ أحيانا حد استباحة الدماء ونشر الفوضى وتكفير المخالف في الفروع.. وتشبث مبالغ فيه بالمظاهر يلغي حقيقة أن جوهر الدين يتجاوز المظهر بكثير.
وزير الشؤون الدينية ما انفك يرسل برقيات عاجلة تشير إلى “مرجعيتنا الدينية”.. ويصرح باستمرار أن مذهب الإمام مالك ـ رحمه الله ـ« قد وحد دائما الجزائريين وكان حصنا لهم ضد محاولات إثارة الشقاق”.. وعندما تخفت نبرة صوته أحيانا.. أو يرسل كلاما ملتبسا.. يفهم البعض أن الوزير يقفز على حبلين لأنه يخشى رد فعل ما.. غير أنه رمى الحبال هذه المرة ـ كما يبدو ـ.. وصرح في الملتقى الدولي الرابع عشر للمذهب المالكي بأننا “نرفض ونحارب بأقوى طريقة ممكنة استخدام الدين كوسيلة لزرع الكراهية والشقاق والعنف..”.. وزاد عليه ـ ربما إشارة منه غير مباشرة إلى رسالة الشيخ فركوس السلفي ـ “من المتناقض، أنه تحت غطاء الدين والممارسات الدينية أن يزرع الناس الكراهية ويحرضون على العنف”. من كلام الوزير الذي يعبر عن وجهة نظر رسمية.. ثبت الآن أن الذين حاولوا استئصال كل دعوة وسطية في الجزائر.. واستهدفوا حرب الإسلام تحت غطاء مكافحة الإرهاب.. وشيطنوا الأحزاب الإسلامية بكل ما أوتوا من وسائل دعاية.. واستدعوا تيارات تدعو لطاعة ولي الأمر.. لم يتبصروا في أن عاقبة من يتطرف في الطاعة سيتطرف في الخروج أيضا.. فكانت النتيجة أن من زرعوا السلفية.. يحصدون ثمارها اليوم.
