في السياسة.. قد تتحول المصالح إلى مبادئ.. والأفكار إلى سفسطة.. والأخلاق إلى مجون سياسي.. والأشخاص إلى ممرات للعبور نحو الكراسي والمواقع.
وجملة ذلك.. أن تنقلب العملية السياسية برمتها.. إلى انتهاك صارخ للضوابط الديمقراطية.. وشرف النضال من أجل الحقوق والحريات.
في الوضع الطبيعي.. ثمة حزب أو تحالف أحزاب يحكم.. يقابله حزب أو أحزاب تعارض.. والناخب يقرر من يأتي ومن يذهب.. أما في الوضع المقلوب.. حيث الديمقراطية مجرد واجهة لتزيين الاستيلاء على السلطة بطريقة ناعمة.. فقد يكون الحزب الواحد في السلطة وخارجها.. حاكما ومعارضا في آن واحد.. مع المواطن وضد المواطن.. مع الانتهازية وضد الانتهازية.. مع الكل وضد الكل.. ولا شيء غير ذلك.
مسؤول سابق في حزب كان مواليا للسلطة وأضحى معارضا لها - على الأقل الآن حيث المستقبل يعج بالمفاجآت -.. يدعو حزبه إلى أن يعتمد ”الحوار مع السلطة بدل الجنوح بشكل واضح نحو الخط المعارض”.. ومبرره في ذلك ”تقوية مناعته السياسية ومناعة الجزائر بصفة عامة”.. وطرح من هذا القبيل يوضح إلى أي مدى قد تتحول السياسة إلى لعبة منفرة.. وخالية من الأخلاق.. أما الحديث عن المناعة.. فموضوع يحتاج إلى تدقيق.. لأن بعض الجراثيم تمتلك مناعة خاصة ضد المبيدات الانتخابية.
أنا لا أفهم كيف يقع الحوار مع السلطة.. ولماذا تتم محاورتها أصلا.. وما مدى مصداقية ذلك كله؟ مادام المنطق السياسي والديمقراطي.. يقتضيان أن تحكم أو أن تعارض.. ولا يوجد ما يجمع بين السلطة والمعارضة.. إلا الجلوس تحت قبة واحدة.
أجزم أن الأحزاب التي تحكم.. والتي لا تحكم أيضا - أغلبها في تقديري - .. غير معنية بهموم المواطن.. ولا تلتفت كثيرا إلى صراخه الذي يبدو صامتا هذه المرة.. فحزب ”جبهة التحرير الوطني”.. ورديفه ”التجمع الوطني الديمقراطي”.. هما أقرب إلى أن يكونا آلتين لإنتاج النواب.. الذين لا نسمع لهم ”ركزا”.. إلا في ثلاث حالات: الأولى.. عند مناقشة الامتيازات الشخصية للنواب.. والثانية.. عند المصادقة على مشروع قانون تقترحه الحكومة وتريده كما هو.. والثالثة.. عند التفكير في ترتيب مقلب داخلي.
ما عدا هذا.. ومنذ عشرين سنة على الأقل.. لا هموم للأحزاب إلا الأحزاب نفسها.
