
كثفت الرياض والجزائر من لقاءاتهما الدورية بين كبار المسؤولين على أعلى المستويات، فقد سجل المراقبون ارتفاع وتيرة تبادل الزيارات بين البلدين موازاة مع تفاعلات متسارعة للأحداث الدولية والعربية، أبرزها الوضع في سوريا عقب سقوط حلب والموقف الجزائري الداعم لدمشق، وصعود الرئيس المنتخب دونالد ترامب، وقانون ”جاستا” الذي وضع العربية السعودية في موقع المتهم، وفضلا عن تعقيدات الملف اليمني الذي يبقى بحاجة إلى وساطة قوية لتفعيل الحوار بين الفرقاء، زيادة على ملف النفط الذي تدفع كل من الجزائر والرياض ثمن السقوط الحر لأسعاره.
هذه المعطيات كلها دفعت بالتقارب السياسي والدبلوماسي بين البلدين نحو المزيد من الحرص الرسمي على فتح خط اتصالات وعلاقات جديدة وفق رؤية جديدة تضع المجموعة العربية في بوتقة واحدة لمواجهة التحديات المطروحة بحدة، فقد لاحظ المراقبون أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة حرص في المدة الأخيرة على وضع التقارب الجزائري العربي وتحديدا الخليجي في واجهة الأحداث، حيث استقبل الأسبوع الماضي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز في زيارة قصيرة جمعت الجانبين بحثَا مجمل الأحداث التي تعرفها الساحات العربية والإسلامية والدولية وكذا واقع التعاون الثنائي وسبل دعمه.
كما سبق أن استقبل والد أمير قطر في لقاء خاص، وكان الوزير الأول عبد المالك سلال زار المملكة العربية السعودية شهر نوفمبر الماضي رفقة وفد وزاري هام وعدد من رجال المال والأعمال. وفي الجانب العسكري، كان رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة السعودية، الفريق أول الركن عبد الرحمن بن صالح البنيان، زار الجزائر في أكتوبر من السنة الماضية، حيث أشار بيان صادر عن وزارة الدفاع الوطني وقتها إلى التأكيد على أن المباحثات ركزت على التعاون العسكري الثنائي وسبل تنويعه، فضلا عن تبادل وجهات النظر بشأن أهم القضايا الراهنة.
وكان الوزير الأول عبد المالك سلال أعلن قبيل زيارته للسعودية أن الجزائريين سيقفون ضد أي عدوان يستهدف البقاع المقدسة في إشارة إلى محاولة فاشلة لاستهداف مكة المكرمة بصاروخ اعترضته أنظمة الدفاع الجوي السعودي،
ويعتبر تصريح سلال هذا من أقوى المواقف الداعمة للسعودية، كما أنه ترجم رغبة سياسية لدى قيادة البلدين في التقارب لعدة اعتبارات أبرزها: أن السعودية يبدو أنها خسرت فعلا حليفها الاستراتيجي في المنطقة، ونعني القاهرة التي تمردت على الدعم الخليجي غير المشروط الذي حظيت به منذ الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي من قبل الجنرال عبد الفتاح السيسي الذي تحالف مع محور موسكو طهران ودمشق، ورغم أن هذا المعسكر تتواجد فيه الجزائر منذ البداية فإن التقارب السعودي الجزائري يراد منه في الرباط أن يكون تقاربا سعوديا مع محور موسكو طهران على ضوء التطورات السياسية والأمنية في المنطقة أبرزها صعود دونالد ترامب الذي بات يرعب الكثير من دول العالم بفعل تصريحاته الانقلابية في السياسة الأمريكية التي لم تعتَد عليها حكومات تلك الدول في علاقاتها مع واشنطن.
كما أن سقوط مدينة حلب بيد قوات بشار الأسد وحلفائهم وتغلغل نفوذ طهران في سوريا والعراق واليمن ولبنان، كلها عوامل دفعت بالرياض إلى تحصين دفاعاتها في المجموعة العربية والاستعداد لمرحلة قد تكون صعبة على مستوى العلاقات بين الدول، ولأن الجزائر تملك الكثير من الأوراق الرابحة إزاء الورقة الإيرانية وعلاقة طهران بالرياض، والورقة اليمنية وعلاقة الحوثيين بالمملكة وكذا علاقة سوريا بالسعودية، كلها أوراق يمكن للجزائر أن تلعب بواسطتها دورا هاما في المنطقة العربية وفي العالم الإسلامي، كما أن تحصين الجزائر لأمنها بطرق شتى داخليا وخارجيا جعل من التجربة الجزائرية في هذا المجال خطوة جديرة بالاهتمام العربي على وجه الخصوص.