البلاد - عبد الله نادور - أجمعت الطبقة السياسية والنخبة الوطنية على ضرورة الذهاب نحو حوار جامع وشامل في أقرب وقت، لتفادي تعقيدات إطالة الأزمة الحالية وإسقاطاتها الاقتصادية والاجتماعية، غير أن “التفاصيل التي يسكنها الشيطان” تبقى تطرح وبقوة لدى العديد من السياسيين والملاحظين، بخصوص من يقود هذا الحوار ومن يدعو له وما هي مخرجاته، وهل ستشارك فيه الباءات المرفوضة شعبيا.
ويجدد قائد الأركان الفريق أحمد قايد صالح، دعوته للحوار الجاد، وتتوالى بيانات وتأكيدات السياسيين على ضرورة الانخراط في هذا المسعى الذي أدعوا إليه المؤسسة العسكرية، لكن العديد من الأسئلة تحوم حول هذا الموضوع، خاصة ما تعلق بمشاركة وجوه النظام البوتفليقي ممثلة في أحزاب التحالف الرئاسي والباءات المرفوضة ممثلة في بن صالح وبدوي وبوشارب، حيث إن هذه الباءات محل إجماع على ضرورة رحيلها، وأن بقاءها يشكل أكبر عقبة في الذهاب نحو حوار جاد، حيث يرى العديد من السياسيين أنه “من غير الممكن” الجلوس إلى طاولة حوار يؤطرها ويشرف عليها من يرفضهم الشعب، وأكبر دليل ما حدث مع دعوة بن صالح الطبقة السياسية للتشاور حول هيئة لتنظيم الانتخابات غاب عنها الجميع وحتى من دعا إليها.
كما يصر البعض على ضرورة عدم مشاركة وجوه النظام البوتفليقي، الذين يكانوا يشكلون ذراعه السياسية، خاصة أحزاب التحالف الرئاسي، التي نفذت سياسات النظام البوتفليقي في البرلمان بغرفتيه، والتي يتهمها البعض بالتزوير في العديد من المحطات الانتخابية، من بينها حزب جبهة التحرير الوطني، والتجمع الوطني الديمقراطي والذي أمينه العام مستدعى من طرف العدالة الجزائرية بخصوص ملفات فساد، وهو الأمر بالنسبة للحركة الشعبية الجزائرية ورئيسها عمارة بن يونس وتجمع أمل الجزائر “تاج” ومسؤولها الأول عمار غول. مع العلم أن العديد من السياسيين اشترطوا عدم إشراك من تسبب في الأزمة لا من قريب ولا من بعيد، معتبرين أنه لا يمكن أن يكون جزء من الحل والبناء من كان والخراب والهدم.
كما أن مسألة الدعوة للحوار تطرح إشكالا آخر، حيث يرفض البعض أن يكون الداعي للحوار هي المؤسسة العسكرية، ويطالب بحلول سياسية تتمثل أولا في ذهاب الباءات (بن صالح وبدوي وبوشارب)، على أن تشرف على الحوار وتدعو إليه جهة سياسية، وهي التي تخلف رئيس الدولة الحالي في منصبه سواء من طريق مجلس الأمة أو المجلس الدستوري قبل الذهاب إلى أي حوار. كما أن البعض يرى الأمور غامضة بخصوص قيادة الحوار ومضمونه ومخرجاته، في ظل “عدم قدرة المؤسسة على التواصل والحوار ولو بطريقة غير مباشرة”.
من جهة أخرى، لا يستبعد البعض أن تكون الشخصيات الوطنية التي جاءت على لسان المؤسسة العسكرية ممثلة في الثلاثي الابراهيمي، علي يحي، بن يلس، وهذا في إطار المبادرة التي صدرت عنهم، على أن تتبناها وترافقها قيادة الجيش بحيث هي التي تتصل بالجميع وترتب الإجراءات وتكون مرافقة ومراقبة للعملية. أما مخرجات الحوار فتكون من عند الطبقة السياسية ولا تكون بإملاءات، شريطة إبعاد بقايا النظام الفاسد والذين ليس لهم مصداقية، بل منبوذين من الحراك الشعبي.
ورغم الاختلاف في التفاصيل، إلا أن أغلبية الطبقة السياسية تصر على الحوار وتعتبره الحل والسبيل الأوحد للخروج من الأزمة الراهنة. كما تعتبر نسبة كبيرة من الطبقة السياسية والنخبة والمجتمع المدني والفاعلين أن مرافقة المؤسسة العسكرية للحراك الشعبي ولمختلف الحلول السياسية التي تكون من مخرجات الحوار أمر ضروري لنجاحه، حيث إن دور المسهل هذا كان مرغوبا فيه وله من “النجاعة والوجاهة والسداد” ما يضع أكثر من أي وقت مضى حل الأزمة الراهنة في المقدور والمتناول.