مجازر الـ8 ماي عار باريس الذي لا يُمحى

عندما تحصد آلة الموت الفرنسية آلاف الشهداء

مظاهرات 08 ماي 1945
مظاهرات 08 ماي 1945

 

في مثل هذا اليوم 08 ماي 1945، تفاجأ الجزائريون لرؤيتهم العلم الوطني مرفوعا بسواعد  شباب القضية الوطنية، ما زرع فيهم الحماسة والإيمان أكثر بقرب الاستقلال، لكنه في المقابل زرع الرعب في نفس رئيس دائرة قالمة، آندري أشياري، ومليشيات المعمرين.

وتشير الوثائق التاريخية والشهادات المسجلة، بأن يوم الثلاثاء 08 ماي 1945 كان مصادفا ليوم التسوق الأسبوعي لمدينة قالمة والقرى المجاورة لها، وكان يوم عطلة  بمناسبة انتهاء الحرب العالمية الثانية، وانتصار الحلفاء، وهو ما دفع بالجزائريين وبأوامر من حزب الشعب إلى تنظيم مسيرة سلمية عانق فيها أغلب المشاركين لأول مرة راية الجزائر المزينة بالأبيض والأخضر والأحمر.

وقد عرفت المسيرة التي انطلقت في الفترة المسائية مشاركة ما يقارب 2000  جزائري من مدينة قالمة والقرى القريبة منها، وذلك انطلاقا من منطقة الكرمات، حيث  كان الموكب متوجها نحو نصب الأموات بساحة 19 مارس حاليا، مرددا نشيد من جبالنا وفداء الجزائر، ورافعا رايات دول الحلفاء أمريكا وروسيا وأنجلترا وفرنسا، يتوسطهم العلم الجزائري الذي كان يحمله علي عبده، أخو اسماعيل.

العلم الوطني يرفع لأول مرة في مسيرة 8 ماي 1945

واستنادا للمصادر ذاتها، فقد اعترض حاكم قالمة حينها " آندري أشياري"، الموكب بنهج 08 ماي 45 حاليا، (فيكتور برناس) سابقا، وكان مرفوقا ببعض الفرنسيين  واليهود، طالبين من المشاركين في المسيرة وضع اللافتات، وحاولوا نزع العلم الجزائري بالقوة، لكن وأمام إصرار المتظاهرين على إبقاء الراية الوطنية مرفوعة، ما كان من أشياري إلا إطلاق النار، وتبعه البوليس الفرنسي في ذلك، ما أدى إلى سقوط أول شهيد، وهو بومعزة حامد.

ولم تكن العيارات النارية التي أطلقها حاكم  قالمة، آندري أشياري، لإيقاف المسيرة السلمية للجزائريين في حقيقتها سوى إعلان  لحرب وحشية ومجازر رهيبة ضد  المواطنين العزل، سيشرف عليها هو شخصيا مرفوقا بـ"آلة الموت" بمليشيات المعمرين المسلحة من قبل الجيش الفرنسي، ذهب ضحيتها بقالمة ما يزيد عن 18.000 شهيد، من  بينهم الأخوين اسماعيل 20 سنة، وعلي 18 سنة.

وكان وقع إعدام الأخويين كبيرا على العائلة، التي اعتبرت الشهادة في سبيل الله والوطن جائزة ربانية، لكن رغم ذلك وخوفا من انتقام الفرنسيين من كل أفراد العائلة، فقد لجأت أمهما "مسعودة" إلى إخفاء أخويهما الصغيرين "حميد"  و"مبروك" في برميل الماء، كما تقول العطرة وابنها علي، مشيرين إلى أنه تكريما لروح شهداء العائلة فقد تم تسمية المواليد ما بعد أحداث 08 ماي 45 بأسماء الأب عمر والأخوين اسماعيل وعلي.

وتشير وثيقة رسمية (في أرشيف جمعية 8 ماي 1945)، هي عبارة عن مراسلة من قائد الفرقة المتنقلة بقالمة، المدعو "بويسون"، بعث بها إلى مدير الأمن العام للجزائر يوم 23 ماي 1945، ليخبره بأن "عملية إعدام المشاركين في المسيرة قد تمت رميا بالرصاص، وهم: بلعزوق السعيد والأخوين عبده علي واسماعين وبن صويلح عبد الكريم ودواورية محمد، إضافة إلى ورتسي عمار ومبروك وشرفي مسعود وأومرزوق محند أمزيان.

كما تشير وثائق أخرى بحوزة ناشطين في الدفاع عن حقوق ضحايا تلك المجازر إلى أن ما يزيد عن 500 جثة للسكان المسلمين، الذين تم إعدامهم صوريا في ماي 1945، أعيد إخراجها من الحفر الكبيرة التي رميت فيها، ونقلها بواسطة شاحنات، وتحت حماية قوات الدرك الفرنسي، نحو فرن الجير، بمرزعة المعمر  " لافي" la vie لإحراقها بهيلويوبوليس، أو دفنها بالمكان المسمى "كاف البومبة"، الذي يضم 4 خنادق، يتراوح طولها ما بين 20 و25 مترا، وفي كل واحد منها ما يزيد عن 20 جثة بالبلدية نفسها.

في السياق نفسه، يروي مناضلون في جمعية 8 ماي1945 بقالمة، التي تأسست سنة 1995، العديد من القصص الأليمة في تلك الأحداث، ومنها الطريقة الوحشية التي أعدمت بها  السيدة "الزهرة رقي" من قبل المليشيات الدموية بعد قطع أجزاء من جسمها، إلى جانب أخويها "محمد وحفيظ"، ثم أحرقت بالفرن. وهناك أيضا قصة السيد "مومني" الذي "صلب وألصق جسمه بالحائط بواسطة مسامير كبيرة داخل قسم الدرك بقالمة حتى الموت. وتخليدا لتلك المجازر، فقد تم إنجاز النصب التذكارية لـ11 موقعا التي  ستبقى على مرّ الزمان والأجيال شاهدا على بشاعة المستعمر، وهي وتتوزع عبر بلديات بلخير وبومهرة وهيليوبوليس وواد شحم ولخزارة، وخاصة بعاصمة الولاية التي توجد بها كل من الثكنة العسكرية القديمة وممر السكة الحديدية، ومحطة القطار ونادي الكشافة.

من جهة أخرى، لم تخلو حادثة المجزرة الرهيبة من شقها الإنساني، أين  تعد قصة تجميع الأقمشة وخياطة العلم الوطني من قبل السيدة العطرة عبده، والذي حمله المشاركون في المسيرة السلمية التي وقعت ذات الـ8 ماي 1945 بقالمة، قصة مليئة بالعواطف والوطنية.

وتتذكر العطرة، وهي تناهز اليوم 95 عامًا، بحماس قصة خياطة العلم الوطني قائلة "استخدمت أقمشة من جهاز زفافي"، مؤكدة لـ "وأج"، أنه بعد73 سنة  على مرور تلك الأحداث "لا تزال صورة هذا العلم حية، وتثير في أحاسيس الوطنية العميقة".

وقد فقدت العطرة اثنين من أشقائها وأقاربها في مجازر الـ8 ماي 1945، حيث تذكر بصعوبة بالغة تلك الأحداث التاريخية ووحشية المستعمر الفرنسي، لكن بسبب ضعفها فسحت المجال لابنها علي عبده، وهو متقاعد من وزارة الفلاحة، ليحكي نيابة عنها تلك القصة التي سمعها مرارا وتكرارا.

فعمه علي الذي أخذ اسمه بعد استشهاده في مظاهرات 8 ماي 1945، كان لاعب كرة القدم، ومن مؤسسي فريق الأمل الرياضي لمدينة قالمة سنة 1941، إلى جانب الشهيد  سويداني بوجمعة، وعمه الثاني، الذي استشهد كذلك في تلك الأحداث، واسمه اسماعيل، وهو من الطبقة المثقفة والمتشبعة بقيم الاستقلال، وكان يدرس بالمدرسة الأهلية بقسنطينة، وكان أحد أصدقاء المرحوم علي كافي.

العلم الوطني مُعد من قماش وثياب جهاز زفاف العطرة

وعندما تزوجت العطرة سنة1941، قدم لها والدها هدية عبارة عن آلة خياطة من نوع  "سينجر" لا تزال تحتفظ بها إلى الآن، يقول ابنها علي، لافتا إلى أنها كانت تقوم بخياطة سراويل وألبسة لأشقائها من خلال استعمال قماش مظلة، عثر عليها بالمنطقة، خلال الحرب العالمية الثانية.

وقد بدأت حكاية العطرة مع العلم الوطني، يقول ابنها، يوم 3 ماي 1945، عندما طلب منها شقيقها اسماعيل عند عودته وقتها من قسنطينة، خياطة العلم الوطني،  لكنها أخبرته بأنها لا تملك أية قطعة قماش، فطلب منها أن تستعمل ثياب "جهازها " ووعدها بأنه سيعوضها خيرا منه بعد الاستقلال.

لم تتوان العطرة في الاستجابة لنداء الوطن، ومن دون أي تردد، بحثت في ثيابها عن الألوان ومقاسات قطع القماش التي أملاها عليها أخوها اسماعيل، مبرزة بأن  اسماعيل قال لها بأن النصف الأبيض هو الحياة، والأخضر هو الجزائر، والنجمة والهلال يمثلان دماء الشهداء.

وتؤكد المتحدثة، بأنها أنجزت المهمة "بكل فخر وإتقان وبسرية تامة"، فكلما كان باب المنزل يطرق، أول ما كانت تقوم به هو جمع كل الأقمشة وإخفائها خشية أن يكتشف الأمر.

الأكثر قراءة

  1. وزير التربية يعطي إشارة انطلاق امتحانات البكالوريا

  2. فيات الجزائر تطلق النسخة الجديدة من "دوبلو بانوراما" وهذا هو سعرها

  3. بطريقة بسيطة في المنزل.. اختبار بالإبهام قد يكشف عن خطر مميت في القلب

  4. الرئيس تبون يأمر بتحقيق نتائج أعلى في موسم الحصاد ويوجه بتسهيلات للجالية وبرامج دعم الأسرة المنتجة

  5. مجلس الوزراء: الرئيس تبون يأمر بنتائج قياسية في الحصاد ويشدد على دعم المرأة وتحسين ظروف استقبال الجالية

  6. إيران تعلن مقتل رئيس استخبارات الحرس الثوري ونائبه في هجوم إسرائيلي

  7. المواجهة بين الإحتلال الإسرائيلي وإيران.. طهران تتوعد بمواصلة هجماتها وتل أبيب تهاجم شيراز وأصفهان

  8. مقتل أكثر من 100 شخص في هجوم مسلح على ولاية بنوي النيجيرية

  9. عودة أول فوج من حجاج الولايات الشرقية

  10.   زروقي يعاين رفع الطاقة الإنتاجية للبطاقات النقدية الذهبية إلى 50 ألف بطاقة يوميا