
أصحاب “الشكارة والبزناسية” يضاربون بالعملة والسيارات والعقار
يشكل اعتراف الوزير الأول أحمد أويحيى بتعرض الاقتصاد الجزائري لهجوم منظم يستهدف تحطيم العملة الوطنية في السوق الموازية، وزرع أجواء الهستيريا والخوف في صفوف المواطنين لدفعهم لتحويل مدخراتهم إلى العملة الصعبة، جرس إنذار يجب التوقف عنده مليا لحماية الأمن الاقتصادي للدولة الجزائرية.
ورغم عدم دخول الإجراءات المالية الجديدة للحكومة حيز التطبيق حيث من المنتظر أن تشرع في الاستدانة من البنك المركزي بعد عدة أسابيع، لكن هذا لم يمنع المضاربين من المراهنة على سقوط الدينار لأسباب نفسية أكثر منها اقتصادية، بحكم توفر الدولة الجزائرية على أكثر من 100 مليار دولار من احتياطي الصرف وهو رقم يشكل أضعاف ما هو موجود في دول مجاورة يتقارب اقتصادها مع الجزائر، زيادة على انعدام المديونية الخارجية وما ترتبه من دفع فوائد منتظمة مرهقة كما يحصل مع دول مثل المغرب وتونس ومصر ولبنان.
لا يمكن أن ينكر أي خبير أو مسؤول اقتصادي صعوبة ما وصلت إليه الوضعية المالية الجزائرية بفعل تراجع أسعار البترول منذ 3 سنوات، مع عجز حكومي عن إيجاد بدائل اقتصادية لتنويع مصادر الدخل بعيدا عن المحروقات، وهو ما يفرض اتخاذ إجراءات غير تقليدية للتحكم في الوضع وإعادة التوازن لميزانية الدولة. لكن في الوقت نفسه لا يصح التهويل على الناس وزرع الشك في الوضع المالي الذي لا يزال لحد الآن تحت السيطرة بلغة الأرقام، وهو ما لم تقع فيه دول أخرى مؤشراتها المالية أسوأ بكثير من الجزائر، فمع تخفيض فاتورة الاستيراد والتحسن الذي طرأ على أسعار البترول في حدود 50 دولارا للبرميل مقابل متوسط 35 دولارا في السنوات الماضية، كل هذا كان يحتم مقاربة أكثر عقلانية للمسألة بما يضمن الاستقرار النفسي للسوق وفي الوقت نفسه إدخال إصلاحات اقتصادية تدريجية واتخاذ تدابير مالية لمواجهة هذه الأوضاع الصعبة.
ربما على الوزير الأول أن ينتبه جيدا إلى أنه يسير على خط رفيع جدا وتوازن حساس للغاية بين الترويج لإصلاحات ضرورية وملحة يحتاجها الاقتصاد الوطني على جميع الأصعدة، وعلى رأسها ترشيد الدعم والنفقات العمومية وحث الجزائريين على البذل أكثر في العمل والإنتاج لخلق القيمة المضافة، وبين نشر أجواء الخوف وعدم اليقين في أوساط الناس والمتعاملين الاقتصاديين لتبرير هذه الإجراءات، كل هذا قد يأتي بمفعول عكسي وينسف كل الجهود.
في الأخير لا يمكننا أيضا أن ننتظر استقرار السوق وعودة الثقة الاقتصادية، ويد ”البزناسية” و«أصحاب الشكارة” مطلقة لفعل ما يريدون والمضاربة على السلع والذهب والعملة والسيارات فقط لتحقيق مزيد من الربح في سوق سوداء تشكل ربع الناتج المحلي الخام، ما يحطم كل الجهود التي تبذل للتحكم في الوضع الاقتصادي. كما لا يمكننا أن ننتظر تحسنا قريبا دون محاربة قوية وبأساليب جديد لكل أشكال الفساد، حيث تخسر الجزائر سنويا ما يقارب 10 ملايير دولار بسبب هذه الظاهرة وما يرافقها من هدر وسوء التسيير يشوب الإدارة الجزائرية.